إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 12-07-2024
يقصد بمفهوم الشرق الاوسط الجديد المخططات الإسرائيلية المحكمة التي ترمي من خلالها الى تحديد الشرق أوسط بخاصيات جديدة تتناغم مع أيديولوجيتها وأهدافها وكافّة مصالحها على المدى البعيد.
حيث تبنت الولايات المتحدة الأمريكية هذا المشروع ورعتها الاتفاقيات المتعاقبة بين العرب والإسرائيليين تحت غطاء “اتفاقيات السلام”.
ومن بين أهداف هذه الاتفاقيات “فرض هوية جديدة على أبناء الأمة العربية تتلاشى فيها أو تضيع المرجعية العربية لصالح وعاء فضفاض تمت تسميته بـ “الشرق الأوسط الكبير” واحيانا بـ”الشرق الأوسط الجديد”..”
ويوجد مفهوم “الشرق الجديد” في العديد من الاتفاقيات الموقعة في أواخر التسعينيات، مثل اتفاقيات كامب ديفيد التي وقعتها إسرائيل ومدار عام 1979، واتفاقيات أوسلو التي وقعتها إسرائيل ومدار عام 1993.
إنشاء مؤسسات حكم ذاتي فلسطينية انتقالية بين حكومة ياسر عرفات الفلسطينية وإسرائيل، واتفاقية وادي ألبا عام 1994 بين الأردن وإسرائيل.
وقد تبنت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الرؤية بشكل كامل في خططها، وأصرت على خريطة جديدة للشرق أوسط متوافقة مع مصالحها ومصالح إسرائيل، لتحل محل الخريطة القديمة التي شكلتها فرنسا وبريطانيا في أوائل العشرينيات.
جهود لا منفعة لها
بذلت محاولات مختلفة لتحقيق هذا المشروع خلال السنوات الماضية من خلال الضغط على إيران عبر العقوبات والاتفاق النووي، وخلق الفوضى والانقسامات الطائفية والمذهبية في العديد من البلدان، بما في ذلك سوريا، التي تحولت إلى فيدرالية باسم إنهاء الحرب الأهلية. كذلك تجلّى ذلك من خلال مختلف المساعي الرامية لإنهاء القضية الفلسطينية تحت غطاء ما أطلق عليها ترامب “رؤية ترامب للسلام” والمدعومة باتفاق التطبيع الذي أبرمته الإمارات والبحرين.
أمّا على المستوى التاريخي وباعتبار أنّ هذه الركيزة المتمثلة في التسوية السلمية هي اتجاه تاريخي تعود جذوره لأواخر الستينات من القرن المنصرم فإنّه ساهمت عوامل تاريخية في مزيد تجذّره وأهم عامل كان خلال نهاية الحرب الباردة وانتهاء القطبية الثنائية، ممّا جعل النظام الاقليمي العربي يفقد قدرته على المناورة بين القطبين، والحال أنّ النّظام وقتها كان في حالة انهيار بعد اشتعال حرب الخليج الثانية.
وإثر هذه العوامل تمكّنت الولايات المتحدة الأمريكية من البروز كقوّة عالمية يصعب مواجهتها لها كل الآليات التي تمكّنها من السيطرة وكسب النفوذ وتحقيق المصالح والعمل خاصّة على تدعيم إسرائيل مستغلة بذلك حالة الفراغ الاستراتيجي في المنطقة.
ولذلك فإن أساس الشرق الأوسط الجديد هو استبعاد كافة خصائص القوة العربية في المنطقة، من أيديولوجية وق وأنظمة جغرافية وثقافية وسياسية وحضارية، لصالح تكتلات والتجمعات الاقتصادية بقيادة إسرائيلية أمريكية.
وأشار محمد قاهر، مدير مركز عيسى للأبحاث الجيوسياسية، إلى أن الاستراتيجية تظهر أن نظام الشرق الأوسط الجديد يقوم على أربعة عناصر رئيسية: التكنولوجيا الإسرائيلية والطاقة الخليجية.
الموارد، فضلاً عن توجه مصر نحو إسرائيل، إلى جانب مشروع المياه التركي الذي أقره الرئيس التركي الأسبق عام 1993، والذي تضمن بيع وتوصيل المياه التركية إلى إسرائيل لسد احتياجاتها، وكان في الواقع يضم بعض الصهاينة. أهداف تخدم مصالحها السياسية والجغرافية.
وهو ما كان قد أشار اليه الرئيس الاسرائيلي السابق “شمعون بيريس” في كتابه “الشرق الأوسط الجديد” الذي زعم فيه رؤية اقتصاد السلام كبديل للحروب القائمة في المنطقة، بحيث تربط الدول العربية والمحتل الصهيوني علاقات اقتصادية في سعي لشرعنة الوجود الاسرائيلي، ليس ذلك فقط بل بروزه كلاعب رئيسي في المنطقة وفي العالم من خلال التطبيع وتجاوز أي شكل من أشكال القطيعة معه، حيث كتب “أولا وقبل كل شيء هندسة معمارية ضخمة، هندسة تاريخية لبناء شرق أوسط جديد متحرر من صراعات الماضي ومستعد لأخذ مكانه في العصر الجديد، العصر الذي لا يطيق المتخلفين ولا يغفل الجهلة”.
إدراج إسرائيل ضمن مختلف الأنسقة الاقتصادية العربية المتعلقة سواء بالمياه، النفط السياحة، الثقافة..
نهاية طموح الشرق الأوسط الجديد
لم يكن طوفان الأقصى متوقعا في ظلّ تكالب بعض الدول العربية على التطبيع مع إسرائيل وتعزيز العلاقات معها، حيث أنّ خسارة الاحتلال الصهيوني لحربه ضدّ حركة المقاومة عرقل نسق بناء مشروع الشرق الأوسط الجديد، ما أدّى إلى إلغائه المبكّر رغم اعتباره مشروع استراتيجي وتاريخي متماسك لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أو الكيان الصهيوني أو العملاء العرب التنازل عنه بأي شكل من الأشكال خاصّة لما ورائه من مصالح مشتركة مبنية تاريخيا أو المنطقة.
كما يجدر الذكر أن الأهداف الواضحة للمقاومة الفلسطينية في الوقت الحالي هو وقف الهجمات وتأمين إطلاق سراح الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. لكن ذلك لا يضع جانبا كل الأهداف الاستراتيجية، رغم الأولوية التي تتمتع بها القضية الفلسطينية. حيث أدّى عمليات التطبيع في الشرق الأوسط الى عرقلة التطبيع الإسرائيلي السعودي، على الرغم من مساعي الولايات المتحدة الأمريكية لدعم هذا التقارب.
كما يمكن أن تتأثر جهود التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب سلبا حسب ما أشارت إليه العديد من المصادر، ويمكن ايضا أن تزيد التحديات فيما يتعلّق بالتطبيع بين تركيا وإسرائيل.
وظّف الكيان الصهيوني كل قدراته العسكرية والاستخباراتية والأمنية، بدعم كبير غير مسبوق من الولايات المتحدة رغم ذلك لم يكن قادرا على تحقيق أهدافه المعلنة فقط، بل تعرض لهزيمة فادحة على يد حما.
إضافة إلى ذلك، فإن خسائر الكيان الصهيوني حربه ضدّ المقاومة، التي لا تملك حتى واحداً بالمائة من إمكانيات الكيان الإسرائيلي، هي أكثر من ضعف خسائر هذا الكيان في الحرب مع مصر وسوريا ولبنان والعراق والأردن والجزائر وليبيا وتونس والكويت والمغرب والسعودية عام 1973!
كما أنفقت الولايات المتحدة، بكل الأشكال المباشرة وغير المباشرة، ما يناهز 4 تريليونات دولار من أجل بناء مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعته على جدول أعمالها بشكل جدي منذ عام 2006، وهو ما يعادل كامل تكلفة الحرب العالمية الثانية.
كذلك الحرب السورية لم تكن بمنأى عن تكليف الولايات المتحدة خسائر بلغت حوالي 500 مليار دولاراً، وأنفِق أكثر من 600 مليار دولار في اليمن لتدمير أنصار الله. كما أنفق الكيان الصهيوني بمساعدة الولايات المتحدة تكاليف لا يمكن حصرها في معركة طوفان الأقصى لحد الآن.
لكن ما حدث في النهاية كان معاكسا تماما لأهدافهم وهو تنامي قوة جبهة المقاومة، وتنامي الكراهية ضد الولايات المتحدة في المنطقة.
خلاصة
بالتالي، أنفقت الولايات المتحدة نحو 4 تريليونات دولار على مشروع لم يحقق سوى فشل ذريع بإنفاق أقل من 25 مليار دولار في المنطقة.
حيث أنّ مخطّطات الولايات المتحدة الأمريكية بخلق حالة من عدم الاستقرار المتواصل في منطقة الشرق الأوسط وتوجيه كل المعطيات لصالح الكيان الصهيوني، لم تكن سوى مخطّط فاشل انقلب ضدّها بخسائر كبيرة لها ولإسرائيل ولكل العملاء الذين راهنوا عليها.
وما يمكن التعبير به عن مخطط الشرق الأوسط الأميركي الجديد سوى أنّه في حالة موت دماغي، وبيّنت التغيرات الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط أنه لا لرجوعه في الواجهة، وهذه حقيقة قد أدركتها البلدان الصديقة والحليفة للولايات المتحدة في المنطقة.