قسم البحوث والدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية 10-07-2024
أصبح “الواقع الافتراضي” و“الواقع المعزز” من المكونات المهمة للجيوش القوية في العالم وخاصة للتدريب العسكري في الدول مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا.
في الولايات المتحدة تمّ إنشاء مشروع أطلق عليه Project BlueShark ، وهو مشروع يستخدم تقنية تسمح للبحارة بتشغيل السفن والتعاون في بيئة افتراضية، وفي عام 2014 تم اطلاق مشروع Project Avenger من قبل مكتب الأبحاث البحرية ومعهد USC للتقنيات الإبداعية يستخدم الواقع الافتراضي والمعزز لتدريب الطيارين للبحرية الأمريكية.
كذلك استخدمت القوات الجوية الأمريكية “الواقع الافتراضي” لتدريب الطيارين على قيادة الطائرات وإكمال المهام بتكنولوجيات الذكاء الإصطناعي.
كما أنشأت شركة بوينج شركة “واقع معزز” يحتوي على تقنية تسمح للميكانيكيين بالتدرب على إصلاح الطائرات قبل الصعود على متن طائرة حقيقية، كذلك يستخدم الطيارون في الولايات المتحدة “نظارات الواقع المعزز” مثل Microsoft HoloLens للتدريب على القتال والتزود بالوقود الجوي والتشكيلات والمناورات.
وفي عام 2021 عقدت القوات الجوية الأمريكية تجمعًا افتراضيًا مع ما يقرب من 250 مشاركًا من دول العالم.
كذلك تعاونت الولايات المتحدة مع المملكة المتحدة مع شركة بريطانية خاصة تعمل في مجال “الواقع الافتراضي” و“الواقع المعزز” لإنشاء ساحات قتال افتراضية حيث يمكن أن يتدرب 10000 جندي بريطاني في وقت واحد.
ما معنى الميتافيرس؟ وما هي أهميتها العسكرية؟
وفي 28 أكتوبر 2021 سمع القطاع المدني في كل العالم لأول مرة مصطلح “الميتافيرس” بعد أن أعلن “مارك زوكربيرج” أن شركة فيسبوك ستغير اسمها إلى “ميتا”Meta وستبدأ في بناء نسخة مستقبلية من الإنترنت تسمى “ميتافيرس” “Metaverse” لنكتشف بعدها أن “الميتافيرس” ليست مجرد تقنية لعمالقة وادي السيليكون، لكنها تستخدم منذ فتره مع الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والمعزز في التدريب العسكري للدول العظمى، وأن هذه التقنية معروفة جيدًا للجيش الأمريكي.
والميتافيرس هي عبارة عن “عالم رقمي مشترك يجمع بين الواقع المادي والمعزز والافتراضي في الوقت اللحظي”.
أيضا هي بيئة تسمى “الواقع الممتد” التي قد يتفاعل فيها المستخدمون مع بيئة تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر ومستخدمين آخرين.
في هذه البيئة هناك متاجر حيث يمكنك ممارسة الألعاب وشراء السلع الرقمية والذهاب إلى المدرسة وقراءة الأخبار والتعرف على أشخاص جدد، والتعلم، والتصنيع، والتدريب، والسفر.
وحتى تكون هذه البيئة فعالة تحتاج إلى قوة حاسوبية كبيرة لتجنب الأعطال، وتعتمد الحلول الحالية على عدد هائل من الخوادم أو فرق بشرية كبيرة بتكلفة كبيرة.
وتعتمد “الميتافيرس” على التصميم المتطور في الواقع الافتراضي والواقع المعزز والواقع الممتد.
ولأن الدول العظمى خاصة الولايات المتحدة والصين تعي أن البيئة التي تعمل فيها الجيوش تتغير بوتيرة سريعة، وأن التهديدات المتعددة الأقطاب التي تنتشر بسرعة وبشكل متزايد تعني أن ساحة المعركة في الغد ستكون أكثر شراسة وخبث وقساوة من أي وقت مضى.
ومع الحاجة إلى العمل بطرق جديدة لمكافحة ظهور بيئات جديدة وتهديدات جديدة، تأتي الحاجة إلى تدريب جيوش الغد بطرق جديدة أيضًا.
لذلك تبنت العديد من الدول أبحاث عسكرية لخلق تقنية “الميتافيرس” مستعينة بذلك بالشركات الخاصة والمراكز البحثية لامتلاك كل التقنيات التي لها علاقة بكفاءة هذه التقنية مثل “الواقع المعزز” و”الواقع الافتراضي” و”المحاكاة ثلاثية الأبعاد” و”الشاشات المثبتة” على الرأس و”البيئات الافتراضية” التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.
لقد استخدمت تلك الدول تقنيات “الميتافيرس” في العديد من المجلات التي لها علاقة بالأمور العسكرية، فمثلا لأن التدريب يعد أحد أهم مكونات فعالية ساحة المعركة، استخدمت تقنية “الميتافيرس” في ميادين التدريب العسكرية، ففيها يتم جمع طبقات المحاكاة العديدة معًا، مثل التضاريس وشبكات الأقمار الاصطناعية وأجهزة إنترنت الأشياء والسلوك البشري، كذلك يمكن تعديل المشهد على نطاق واسع دون الحاجة إلى التعرض للمخاطر.
كذلك يمكن حل التحديات اللوجستية والعملية المرتبطة بحالات التدريب على نطاق واسع.
أيضا يمكن نشرها على نطاق واسع، وكذلك مزامنة التدريب في أكثر من وحدة أو سلاح.
وهذا يمكن المخططين العسكريين محاكاة الأساليب القتالية التكتيكية والعملياتية الموجهة بالذكاء الاصطناعي، وبالتالي يزودهم برؤى مهمة، مما يساعد على فهم نقاط الضعف والحلول المطلوبة لها، كذلك سوف يوفر مواد دراسية قيمة من خلال دمج الأدوات والتقنيات التجريبية والبيانات الشخصية، بالإضافة أن التدريب العسكري في عوالم “الميتافيرس” سوف يقلل تكاليف التدريب بشكل كبير..
الأخطر أنه يمكن أن تكون “الميتافيرس” ساحات معارك بديلة، فجيش التحرير الشعبي الصيني يستعد لشن حرب عالية التقنية في “الميتافيرس”.
يتصور جيش التحرير الشعبي ساحة معركة مستقبلية للصراع المتقدم في الميتافيرس، حيث تُعرِّف الصين الحرب المعرفية بأنها مزج الأنظمة غير المأهولة مع الذكاء الاصطناعي لإنتاج قدرات قتالية جديدة.
وفقًا لصحيفة PLA Daily يمثل “الميتافيرس الآفاق الجديدة للحرب المعرفية المستقبلية”، وتشمل هذه أسراب الطائرات بدون طيار، والحرب الإلكترونية، والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ومنصات الشفاء الذاتي، وعباءات التخفي المملوءة بالمواد الحيوية، والحمولات والأجزاء المطبوعة ثلاثية الأبعاد.
كذلك يعتبر الجيش الأمريكي أن “الميتافيرس” يمثل أولوية قصوى، فقد أعلن الجيش الأمريكي في عام 2018 أنه سينفق ما يصل إلى 22 مليار دولار على نظام التعزيز البصري المتكامل (IVAS)، وهو نسخة من نظام الواقع المعزز HoloLens من Microsoft لجندي المستقبل.
وقد قال “لدوج فيليبون” قائد الدفاع العالمي في شركة Palantir في أكثر من لقاء “الميتافيرس” ليس فقط مستقبل التدريب العسكري، ولكنه أيضًا مستقبل كيفية القتال العسكري واتخاذ القرارات”.
كذلك صرح “إلمر فرانسيسكو” الرئيس التنفيذي لمؤسسة VetCoin لصحيفة The Sun أن الميتافيرس هي الخطوة التطورية التالية في الأسلحة بعد الطائرات بدون طيار.
ووفقا “لجوش بومان” خبير القوات الجوية الأمريكية الذي يفحص جميع عمليات الطيران والفضاء في الدول الآسيوية، فإن الصين والهند انضمتا إلى قائمة البلدان التي تبحث في إمكانيات “الميتافيرس” لتكون ساحات معركة بديلة في المستقبل.
ما هو دور هذه التقنية الخطيرة “الميتافيرس” في تغير شكل حروب المستقبل؟
يمكن لسباق التكنولوجيا بناء “الميتافيرس” الأكثر تطورًا وتوسعًا أن ينشئ القوة العالمية التالية ويغير مستقبل الحرب.
وصحيح أنه لا يزال هذا التحول في بداياته ولا توجد عنه معلومات معلنة واضحة، لكن إمكاناته اللاّمحدودة تغري الشركات باستثمار مليارات الدولارات في تطويره.
تمتلك “الميتافيرس” إمكانات دفاعية كبيرة، فمثلا يعد التدريب أحد أهم مكونات فعالية ساحة المعركة، ويمكن لعوالم “الميتافيرس” أن يساعد الجنود على تطوير أدائهم، وبالفعل أصبح الواقع الافتراضي والمعزز أمرًا شائعًا في التدريب العسكري في السنوات الأخيرة.
فمنذ فترة ليست بالقليلة يستخدم الجيش الأمريكي بالفعل الواقع الافتراضي و”الميتافيرس” في عمليات محاكاة التدريب. ففي عوالم “الميتافيرس” يستطيع الأفراد العسكريين التدرب ضد أعدائهم من خلال معارك اقرب للواقعية متعددة اللاعبين.
ويمكن نشر التدريب ومزامنته على نطاق واسع، مع تسليط الضوء على الطقس والتضاريس وتنقل الأشخاص.
ويمكن للمخططين العسكريين محاكاة الأساليب القتالية التكتيكية والعملياتية الموجهة بالذكاء الاصطناعي، وفي البيئة الرقمية، ستزود هذه الخطط المخططين العسكريين برؤى مهمة ومواد دراسية قيمة من خلال دمج الأدوات والتقنيات التجريبية والبيانات الشخصية.
لكن الصين لم تكتفي بالتدريب، ولكنها تستعد لحرب خارقة باستخدام تقنية “الميتافيرس” تؤثر فيه على تفكير الخصم وإدراكه واتخاذ القرارات المتعلقة به، وذلك وفقًا لتقرير صدر في مارس 2022م عن مركز أبحاث تابع للقوات الجوية الصينية.
وقد قال “إلمر فرانسيسكو” الرئيس التنفيذي لمؤسسة VetCoin -وهي مؤسسة خيرية تقدم خدمات تكنولوجية للمحاربين القدامى في الولايات المتحدة الأمريكية- في حوار له مع جريدة The Sun : “لن يحتاج الجنود فقط إلى معرفة كيفية القتال بالأيدي، ولكن أيضًا كيفية البرمجة، لأنه يجب أن يكون الجنود قادرين على التعامل مع المجال الافتراضي”.
وقال فرانسيسكو “إن أحد التطبيقات العسكرية هو إنشاء صور رمزية واقعية أو روبوتات يمكن التحكم فيها من مسافة بعيدة”.
وأضاف “في المستقبل القريب، لن يكون هناك جنود يحتاجون إلى بتر أطرافهم، لأن الروبوت الخاص بهم هو الذي سيتم تفجيره بالمتفجرات”.
لقد استحوذ المفهوم المتطور “للميتافيرس” على انتباه الجميع في العالم، وفي دراسة قدمت على هيئة تقرير نشره معهد دراسات الفضاء الجوي التابع للقوات الجوية الصينية – وهو أعلى معهد أبحاث تابع لجيش التحرير الشعبي الصيني- بعنوان “كيف ستبدو حرب الميتافيرس؟”.
قدم الباحثون الصينيين فيها ثلاثة أنماط من المواجهة في الميتافيرس وهي:
أولا مواجهة المنصات،
ثانيا الهجوم على النظام (سلسلة التوريد)،
وثالثا التحويل غير المباشر.
وتم وصف مواجهة المنصة في التقرير على أنها هجمات “لتعطيل وتأخير وردع وتدمير والقضاء على وجود وتشغيل ميتافيرس الخصم”.
بعدها يقوم هجوم النظام “بمهاجمة وحظر العقد الرئيسية وسلاسل العمليات التكنولوجية التي تدعم تحول الخصم”.
أما التحويل غير المباشر يقوم على “إضعاف أجهزة تكنولوجيا الاتصالات واستخدام وسائل خادعة لتغيير وظائف نظام التحويل الخاص بالخصم”.
وفي تقرير آخر لمركز أبحاث القوات الجوية الصيني تحت عنوان ساحة المعركة الجديدة- ميتافيرس New Battlefield–Metaverse، يضع الباحثين هذا التحول كامتداد لمنافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين.
باستثناء أنها ستكون باستخدام تقنية الواقع الممتدXR- Extended Reality – التي ستستخدم للتلاعب بالعالم الحقيقي سواء بالآلات أو البشر، حيث سيكون الأمر أشبه بلعبة على جهاز حاسوب، لكن باستخدام روبوتات وصور رمزية يتحكم فيها الجنود من الولايات المتحدة أو من الصين.
وفي مقال في صحيفة PLA Daily عن ساحة معركة الميتافيرس “Battlefield Metaverse” BM أشار المقال إلى:”أن ساحة معركة “الميتافيرس” هو مظهر من مظاهر “الميتافيرس” في المجال العسكري، لكنه يختلف عن “الميتافيرس” المدني في بعض الجوانب الرئيسية.
على سبيل المثال، تتمتع بمعايير أمان وسرية أكثر صرامة، وقدرات حوسبة محاكاة أكثر قوة، ومتطلبات تفاعل أكثر دقة في الوقت الفعلي، وتوحيد وقت المعركة، والتكامل الحقيقي الافتراضي، وأمن الحدود، وذكاء اتخاذ القرار، ودقة الأداء”.
وأن ساحة معركة الميتافيرس تحتاج -كما أشار المقال- إلى تحقيق اختراقات في العديد من التقنيات بما في ذلك الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، والواقع المختلط، وتكنولوجيا التوأم الرقمي، والحوسبة السحابية، والبلوكتشين، والشبكات عالية السرعة، والذكاء الاصطناعي.
ووفقًا للمؤلفين، فإن هناك بعض الشروط الأساسية المطلوبة لجعل ساحة معركة الميتافيرس فعالة ومؤمنة وهي:
أولا أن تكون هناك شبكة اتصالات عسكرية خاصة ومستقلة، فيجب أن يكون الوصول إلى ساحة معركة “الميتافيرس” محدودًا من عدد قليل من نقاط الشبكة العسكرية المؤمنة في أماكن أو مناطق ثابتة نسبيًا.
ثانيا: لابد من أن يكون هناك آلية صارمة للتحقق من الهوية، بحيث يسمح فقط الدخول للأفراد العسكريين الذين اجتازوا المراجعة السرية والتحقق من هويتهم.
ثالثا: تقسيم طريقة الوصول إلى ساحة معركة الميتافيرس، فيمكن تقسيم المستخدمين الذين لديهم حق الوصول إلى ساحة معركة الميتافيرس إلى مستخدمين فرديين، ومستخدمي المعدات، ومستخدمي النظام وفقًا لأنواعهم.
رابعاً: استخدام الذكاء الاصطناعي الفائق كأفراد مقيمين دائمين في ساحة معركة الميتافيرس، ويمكنهم العمل ككيانات للمشاركة في القتال والتدريب، ويمكنه أيضًا لعب أدوار المدربين، والممتحنين، وضباط الأركان، وموظفي تشغيل وصيانة النظام، وما إلى ذلك.
خامسا: ستمتلك ساحة المعركة في الميتافيرس قدرات مرنة بما في ذلك البيئة الجغرافية، والبيئة الكهرومغناطيسية، وبيئة الأرصاد الجوية، والبيئة الهيدرولوجية للمنطقة.
الخلاصة:
في النهاية، قد يكون من السهل أن نتجاهل بشكل متشكك المناقشات الحالية حول الميتافيرس باعتبارها ضجيجًا لاهثًا، أو ندير أعيننا عن هذا التقدم الهائل في هذه التقنية، أو نضحك ضحكة مكتومة على السخافة المطلقة لبعض الأبحاث والسيناريوهات الأخيرة لهذه التطورات، إلا إنه لابد لجميع الحكومات أن تأخذ هذه الاتجاهات على محمل الجد – ومن دون الاستسلام للذعر أو للمستقبل المتهور.
وكما أظهر الباحثون في مجال الدراسات الأمنية، فإن الدول التي تستخدم التكنولوجيات الناشئة بفعالية – والتي تبتكر تنظيمياً وعملياً لتطويرها – يمكن أن تحظى بميزة جيوسياسية كبيرة.
باختصار، بينما يواصل عالم ما وراء البحار رحلته من الخيال العلمي إلى حياتنا اليومية، فقد حان الوقت أن نبدأ في الدخول وبقوة إلى هذا العالم الواقعي، وتداعياته العديدة في العالم الحقيقي، على محمل الجد.
ولكي يكون لنا أنظمة دفاعية في هذه العوالم لا بد من معالجة العقبات الرئيسية التي تحول دون اعتمادها على نطاق واسع في كل مؤسساتنا.
لذلك نحتاج إلى بنيات آمنة وقابلة للتشغيل البيني لتتمكن من مشاركة الاستثمار في تطوير هذه البيئات الاصطناعية.
إن الشبكات المنعزلة وخطوط الاستحواذ البطيئة ونقص الفهم تمنع الحكومات من اعتماد الأدوات ذاتها التي ستساعد في تحسين قدرتها على اعتماد التقنيات التخريبية الجديدة الأخرى.
وبينما نتعلم كيفية التغلب على هذه التحديات، سنحتاج إلى معالجة الاعتبارات القانونية والأخلاقية والأمنية المترتبة على انغماس أعضاء الخدمة العسكرية في هذه العوالم الافتراضية.