السبت. نوفمبر 9th, 2024

شهد الذكاء الاصطناعي تطوراً متزايداً وأصبح جزءاً لا يتجزأ من التكنولوجيا المستخدمة على نطاق واسع في العديد من القطاعات الحيوية خلال السنوات الأخيرة. من بين التطبيقات المتعددة لهذه التقنية نجد التعرف على الكلام، والمصادقة البيومترية، ونظم الملاحة، والخرائط المتحركة…

لقد بات من الواضح والمؤكد أن الذكاء الأصطناعي آداة عصرية تستخدم في كل المجالات وأكثر استعمالا في القطاع العسكري، إذ تُعتبر القدرة العسكرية مؤشراً رئيسياً لتحديد قوة الدولة، وتعرفها وزارة الدفاع الأمريكية على أنها “القدرة على تحقيق هدف معين مثل الفوز في حرب أو معركة، أو تدمير مجموعة من الأهداف” (the ability to achieve a certain combat objective, such as winning a war or battle, or destroying a target set).

يُستخدم الذكاء الاصطناعي في القطاع العسكري  لأغراض مختلفة و يمكن أن نقف عند البعض منها :

_ تحسين التحليل الاستخباراتي بفضل قدرته على معالجة كميات ضخمة من البيانات الاستخباراتية بسرعة ودقة.

_تطوير نظم القيادة والتحكم بالإضافة إلى تعويض العنصر البشري في المهام الاستكشافية الخطرة والاستعداد للتعامل مع الأوضاع القتالية المعقدة.ومن هذا المنطلق تطرح عدة تساؤلات ذات أهميّة :

ما هي مراحل تطور استخدامات الذكاء الإصطناعي في المجال العسكري خصيصا ؟ و ما هي أبرز الآلات والتقنيات العسكرية (الدفاعية والهجومية) المعتمدة على الذكاء الاصطناعي؟ ثم إلى أي حد نجحت هذه التكنولوجيا في تحقيق أهدافها؟

وضع التجار الأوروبيون حجر الأساس للتجارة الدولية للأسلحة في القرون 16 و17 من خلال التصنيع والتصدير إلى أفريقيا، أمريكا، و بنسبة أقل، الأسواق الآسيوية. ثم في أواخر القرن الثامن عشر، مكنت آلات الحفر الميكانيكية  لجون ويلكينسون من إنتاج أسلحة نارية أكثر سلاسة وأكثر دقة، شهدت تطورا ملحوظا في القرن التاسع عشر. كان لهذه التطورات في الأسلحة أيضًا تأثيرا كبيرا على هيكلة العلاقات الدولية في أوروبا في تلك الفترة الزمنية. بينما شهدت هذه الصناعة تغيرا خلال النصف الأول من القرن 20، إذ قاد صراعان عالميان الشراكات والطلب على الأسلحة. و خلال فترة الحرب الباردة، أصبحت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي المصدرين الرئيسيين للأسلحة نضرا لأن هاتين الدولتين كانتا القطبين الرئيسيين خلال الحرب الباردة، إذ كان كلاهما يقوم بتصدير الأسلحة إلى حلفائه في إطار الحروب بالوكالة.

أما في تاريخنا المعاصر، فنحن إزاء ثورة رابعة للحروب يتم فيها الانتقال تدريجيا من العنصر البشري المتمثل في الجندي و الأسلحة النووية إلى  الأسلحة المستقلة أو الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، المعروفة باسم “الروبوتات القاتلة”، وهي تكنولوجيا تتمتع بالابتكار والتجديد بهدف صناعة آلات فعالة بإمكانها قتل المستهدف بأقل مجهود بشري.

طائرات ذكية:

“مسيرة سويتش بليد 600” (Switchblade 600) الإنتحارية ذات صنع أمريكي، تتميز باحتوائها على كاميرات، أجهزة استشعار للأشعة تحت الحمراء و رأسا حربيا شديد الإنفجار إذ يمكنها حمل كمية من المواد المتفجرة، ولديها القدرة على استقبال المعلومات من الطائرات بدون طيار القريبة منها. يمكن لهذه الطائرة أن تستهدف المخابئ والأهداف المكشوفة خاصة لمهاجمة الأهداف القريبة إلى جانب أن سرعتها تصل إلى 115-185 كم و مداها 40 كم وقدرة طيرانها لمدة 40 دقيقة.  وفّر الجيش الأميركي هذه المسيرات لأوكرانيا العام الماضي في حربها ضد روسيا.

طائرات “نوفا 2” (Nova 2)، تستخدم داخل المباني فقط، إذ تعتمد على تخطيط المسارات وخوارزميات الرؤية الحاسوبية للتحرك ذاتيا داخل المباني، لا الحاجة لها إلى نظام “جي بي إس” (GPS) أو للتوجيه البشري.

طائرة هدهد: نوع من الطائرات المسيرة إيرانية الصنع والتصميم، وهي فرد من عائلة تتكون من هدهد 1 ، وهدهد 3  وقد صُنعت هذه الطائرة من بدن طوله 150 سم، و جناح يبلغ طوله 190 سم و هي قادرة على التحليق لمدة 90 دقيقة، ويبلغ مداها 30 كيلومترًا، يتم إستعمالها للتصوير الفوتوغرافي بسرعة و دقة.

 تم إستعمالها من طرف حزب الله اللبناني، إذ قامت بمسح دقيق لمناطق في مدينة حيفا شمالي فلسطين المحتلة.

 مسيّرات “كوادكوبتر“: هي في الأساس طائرات هليكوبتر صغيرة ذات أربع مروحيات يطلق عليها اسم “كوادكوبتر”, يمكنها التحليق داخل المباني، كما تستخدم ذخائر موجهة، تتميز بقدرتها على الطيران على ارتفاع 45000 قدم، بينما تحلق أصغرها على ارتفاع 5000 قدم ويمكنها البقاء عالياً لبضع ساعات.

 مثلت جزءا من الترسانة الجوية الإسرائيلية بدون طيار، وذكر في وول ستريت جورنال، انها لعبت دورًا أساسيًا في تقليل خسائرهم  أثناء تقدمها السريع عبر ساحة معركة مكتظة بالسكان ومحصنة جيدًا ومفخخة على نطاق واسع ( تم استخدامها من طرف جيش الاحتلال في بث تسجيلات صوتية لأطفال رضع ونساء يبكين من أجل استدراج الفلسطينيين من مخبأهم و قتلهم).

 طائرات إف-16:

وتسمى “الصقر المقاتل”، يبلغ طولها 15 مترا، والمسافة بين الجناحين 10 أمتار،ارتفاعها 6 أمتار.يصل مدى تحليقها إلى 15 كيلومترا، تستمر في الطيران لمسافة 3900 كيلومتر، سرعتها تفوق سرعة الصوت وتبلغ 2420 كيلومترا في الساعة، لديها أنظمة تحديد مواقع عالمية حديثة، تمتلك نظام ملاحة عالي الدقة، تقدم أجهزة الحاسوب فيها معلومات توجيه للطيارين كما أن لديها إجراءات مضادة يمكن استخدامها لصد التهديدات الإلكترونية.

استعملتها القوات الأميركية في “عملية درع الصحراء” عام 1991 في حرب الخليج الثانية.

 مقاتلة “سو-35“:

هي طائرة روسية منافسة ل”إف-16″.تتميز بإمكانية التحليق لوقت طويل ويمكنها بلوغ السرعة فوق الصوتية ويمكن أن تتزود المقاتلة بوحدة الحرب الإلكترونية، ما يضمن لها قدرة على التشويش الذي من شأنه الحد من فاعلية رادارات العدو وإغماء رادارات الصواريخ.  إلى جانب تزويد الطيار بنظامين للاتصال المشفر السري مقاوم للتشويش

قادرة على تقدير عدد الضحايا المستهدفين، اقتراح الأهداف الأكثر صلة بالهجوم داخل محيط معين وحساب كمية الذخيرة اللازمة. حيث تنفذ عملية الإغتيال عبر مراحل ففي مرحلة أولى يتم تجميع المعلومات القادمة من اعتراض الاتصالات، كما تستخدم بيانات أبراج المراقبة لرصد تحركات الأفراد المستهدفين، ترسل بعد ذلك إرشادات حول أهداف يمكن مهاجمتها، مع بيان عدد الأشخاص المحتمل قتلهم في القصف و في مرحلة أخيرة يتولى المُشغِّل البشري  فحص الأهداف وخطط الغارات الجوية والموافقة عليها، و يضغط على زر التدمير بعد أن تصله قائمة الأهداف.

صنفت هذه التقنية ضمن أكثر طرق القصف تدميرا وفتكا في القرن الحادي والعشرين، وفقا لتقرير صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية. وقد ذكر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قال إن خوارزمية “جوسبل” تسجل 100 هدف يوميا للقصف إلى حد وصفها “بمصنع اغتيالات جماعية”.

يتمثل في قاعدة بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تم استخدام أنظمة التعلم الآلي للمساعدة في تحديد الأهداف خلال العدوان على غزة من بين هذه المصادر نذكر تطبيق “واتساب” الشهير للتواصل الاجتماعي إذ يخترق الجيش رسائل مستعمل “واتساب” و من خلال خاصية تحديد الأماكن فيه يتمكن من معرفة موقع الشخص الذي يستخدمه ليتم توجيه الضربات على منزله.، تم تطويره من طرف قسم استخبارات النخبة في جيش الدفاع الإسرائيلي الوحدة 8200، و قد يتجاوز عدد الخسائر 20 مدنيا مقابل الإطاحة بهدف مشتبه به.

صمم  لمساعدة إسرائيل على استهداف الأفراد عندما يكونون في المنزل ليلا مع عائلاتهم، و قد أدى إلى “إبادة عائلات فلسطينية بأكملها داخل منازلها”. يعمل هذا النظام من خلال تجميع معلومات عن 90% من سكان غزة تقريبا. ما يتجاوز مليون شخص. ويمنح كل فرد تقييما يتراوح بين واحد إلى 100، وهو تقييم تعتمده الآلة لتصنيف الأشخاص في حالة الاشتباه بهم كأعضاء في الأجنحة العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي.

“الخنجر” (Dagger) : رينتمي للجيل الثالث يملك نظاما متطورا يستخدم أجهزة استشعار كهروضوئية ويعالج الصور بالذكاء الاصطناعي لتتبع الأهداف بدقة.

دبابة “إيتان إيه بي سي” (Eitan APC) :

تعتمد على كوكبة من المستشعرات القادرة على مراقبة محيطها بشكل دائم وتنبيه الجنود داخلها.

تضليل أنظمة “تحديد المواقع الجغرافية” (GPS):

يمكن استخدام منظومة عالمية لخداع شبكة تحديد المواقع بدقة “جي بي إس” (GPS)، حيث يظهر الموقع الذي تم رصده بعيدا عن الموقع الحقيقي مثلما في دولة الإحتلال إسرائيل أو تشويش إشارات الشبكة بشكل كامل كما سبق في أوكرانيا.

شركة جنرال أتوميكس، الأميركية التي تعمل منذ 68 عاما ومعروفة بطائراتها المسيّرة الأشهر لدى الجيش الأميركي “إم كيو-9 ريبر”.

هذا التفوق التكنولوجي والابتكار المستمر قد يمنح الدول ميزة كبيرة في ساحات المعركة، ولكنه يثير أيضاً مخاوف من نشوء سباق تسلح غير متكافئ يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الصراعات بشكل غير متوقع.

 في استعراضنا  للتطور المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي و تحديدا في سياق التسلح الدولي ، لا يمكن التغافل عن التطرق لعدة إشكاليات ناتجة عن هذا التوجّه المتسارع لهذه التكنولوجيا الحديثة والمتطورة حيث ينتج عن ذلك:

يؤدي سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي إلى زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري للدول العظمى التي تخصص ميزانيات ضخمة للبحث والتطوير في هذا المجال، مما يدفع بالصناعات العسكرية إلى مستويات جديدة من النمو. هذا الاستثمار الكبير يمكن أن يؤدي إلى ازدهار اقتصادي في الصناعات التكنولوجية والعسكرية،   إلا أنه قد يزيد من الأعباء المالية على الدول، و يؤثر ذلك على الاقتصاد العام و قد يؤدي إلى تقليل الإنفاق على القطاعات الأخرى مثل الصحة والتعليم.

يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية العديد من التجاوزات والانتهاكات الأخلاقية والقانونية ذلك أنّ استخدام الروبوتات القاتلة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحروب يطرح تساؤلات حول مدى تتطابق استخدامات الذكاء الاصطناعي العسكري مع القوانين والأخلاقيات والمواثيق الدولية من أجل حماية حقوق المدنيين والقتل والتدمير والتهجير القسري  وما إذا كان يمكن ضمان إبقاء هذه المعدات والتقنيات الحديثة  تحت السيطرة البشرية؟

وهل أصبحت “الحرب القائمة على الذكاء الاصطناعي تسمح للناس بالهروب من المساءلة.” كما صرّح بذلك أبراهام في مقابلة في democracynow, وهذا ما يؤكد  ويفسّر عدم امتلاك الآلة  للقدرة على التعاطف، التفكير النقدي والفحص الجيد للمعلومات ما يجعلها لا تتوافق مع القوانين المطبقة على العنصر البشري .

إذا فإن هذه القضايا تتطلب تعاوناً دولياً لوضع معايير واضحة و إطار قانوني وأخلاقي يشمل قواعد الاشتباك وضمانات لحماية المدنيين وتجنب الأخطاء الكارثية.

سباق التسلح الجديد يؤثر بشكل كبير على العلاقات الدولية في الدول التي تمتلك قدرات متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تفرض سياساتها وتحقق مصالحها بشكل أكثر فعالية. هذا قد يؤدي إلى زيادة التوترات بين الدول العظمى ويعزز من سياسة الردع النووي والسباقات التسليحية التقليدية.

عموما تعتبر الحروب والتسلح تهديدا للحياة البشرية وأسباب مباشرة للقتل والتدمير والتخريب والتشريد بالإضافة الى ذلك فإن  الاستخدام المستحدث لهذه الروبوتات القاتلة ورغم الإدعاء بدقة برمجيتها لتجنب الأخطاء الحربية وتقليل أعداد القتلى في صفوف المدنيين فإنها  قد تتحول في الكثير من الأحيان إلى خطر حقيقي يهدّد حياة الإنسان ومثلا فإنّ الطائرات المسيّرة  وباعتبار صغر حجمها ، وما تتمتع من دقّة في تحديد الأهداف وخفة وذكاء فيصعب استشعارها  أو إيقافها أو تدميرها بسهولة لكن تبقى الإحتمالية عالية لاستهداف هذه الطائرات المسيرة لأشخاص أبرياء والإيقاع بأعداد مروّعة من الضحايا المدنيين عند أوّل خطأ تقني أوسوء تقدير للأهداف من قبل  المسيّر لهذه الطائرات فهي تعمل وفق مواصفات مطلوبة في العدو قد تتطابق مع مواصفات بعض المدنيين فنسبة قتل شخص على وجه الخطأ عالية إلى جانب الحالات الي يتم فيها قتل عائلات بأكملها بهدف الإطاحة بعنصر واحد مستهدف مثال ذلك نظام “اين ابي”  المستعمل من طرف إسرائيل.

سباق التسلح الجديد المدعوم بالذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل موازين القوى العالمية. الدول التي تستثمر في هذه التكنولوجيا ستتمكن من تحقيق تفوق استراتيجي يعزز من قدراتها العسكرية ويؤثر على العلاقات الدولية. كما قال بينديت : “هذه هي الكأس المقدسة…، هذا ما يعمل الجميع من أجل تحقيقه، وأعني بالجميع الدول المتقدمة والجيوش المتقدمة التي تأمل الاستفادة من تقنيات السرب. لذا، فإن القائمة قصيرة، لكنها تنمو ببطء”. وهذا يضع المجتمع الدولي أمام تحديات جديدة تتطلب تعاونا أكبر لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنيات المتقدمة.

المصادر:

ميدان صراع في السماء.. كيف أصبحت حرب أوكرانيا أول معرك “درونز” حقيقية في العالم؟

عصر الروبوتات القاتلة.. هل أصبح الذكاء الاصطناعي أخطر من الأسلحة النووية؟ ميدان

ماذا نعرف عن برنامج الذكاء الاصطناعي “لافندر” الذي تُتهم إسرائيل باستخدامه في غزة؟ ضيف اليوم

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *