الأثنين. سبتمبر 16th, 2024

في الفترة الأخيرة وتحت أنظار العالم، قامت جماعة أنصار الله اليمنية بالكشف عن وجود شبكة تجسس متقدمة تضم عناصر  من النخب والمسؤولين اليمنيين ومن الجنسيات الأمريكية والإسرائيلية داخل أراضيها موزعين في مختلف المجالات.

 هذا الاكتشاف، الذي أعلنت عنه السلطات الأمنية في العاصمة صنعاء، يكشف عن نشاط سري استمر لسنوات طويلة، شمل أنشطة تجسسية وتخريبية استهدفت مؤسسات حكومية وغير حكومية، مما يبرز تعقيد العلاقات الجيوسياسية في المنطقة وتأثيراتها العميقة على الأمن الإقليمي والدولي، دعنا نغوص في أكثر تفاصيل لمزيد فهم الوضعية.

الاثنين العاشر من يونيو/جوان، كشفت السلطات اليمنية عن وجود شبكة تجسس معقدة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والمخابرات الإسرائيلية والتي كانت تعمل منذ عقود على استهداف البنية الاقتصادية والأمنية والعسكرية لليمن لخدمة مصالح العدو الأمريكي والإسرائيلي.

 وقد أكّد رئيس جهاز الأمن والمخابرات الحوثي “عبد الحكيم الخيواني” أن أفراد هذه الشبكة كانوا نشطين في التجسس والتخريب لعقود طويلة داخل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في اليمن مستهدفين جميع جوانب الحياة اليمنية، مزودين بتقنيات وأدوات تجسسية من قبل المخابرات الأمريكية ومستفيدين من تنكرات دولية وأممية لتنفيذ أجنداتهم.

 تم الكشف يوم السبت 22 جوان عن اعترافات هامة من جانب شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية، تكشف عن استراتيجياتها في استهداف الاقتصاد الوطني اليمني ومؤسساته الاقتصادية، الأمنية والعسكرية أيضا.

بعد مغادرة السفارة الأمريكية لصنعاء في عام 2015، استمرت الشبكة في تنفيذ مهامها بما في ذلك جمع معلومات استخباراتية حساسة عن الحكومة اليمنية وتوجيهاتها ومواردها المالية.

واستمرت أيضًا في التأثير على القرارات الحكومية وتوجيه السياسات بما يخدم أجندات العدو. يكشف الكشف عن الشبكة واستجواب أعضائها عن مدى التأثير الذي وجهته تلك الشبكة على اليمن، حيث لم تكن مجرد شبكة تجسس بل كانت جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحقيق المكاسب الجيوسياسية للولايات المتحدة وإسرائيل على حساب السيادة اليمنية واستقرارها وتدمير البلاد من الداخل بأيادي يمنية.

فقد عملت الشبكة على تجنيد مسؤولين اقتصاديين ومالكي شركات ومحاولة تقويض القدرات الاقتصادية لليمن، بالإضافة إلى استهداف القطاعات الزراعية والصحية لزراعة الفتنة وزيادة التوتر داخل المجتمع اليمني.

وفقًا لهذه الاعترافات، كانت الأنشطة العدائية تستهدف بشكل خاص القطاعات الحيوية مثل البنوك، والشركات النفطية والغازية، وقطاع الطاقة، بالإضافة إلى القطاع التجاري والصناعي.

من ضمن إعترافات الجواسيس أكدوا على أن النشاطات شملت جمع المعلومات عن القطاعات المالية والبنوك المختلفة، بما في ذلك البنك المركزي والبنوك التجارية، وتحليل أوضاع السوق المالية والتجارية.

وتم أيضًا توجيه جهودهم نحو استغلال المعلومات حول النفط والغاز والمعادن النفيسة في اليمن، بهدف التأثير على الاقتصاد المحلي وتوجيهه بما يخدم المصالح الاستراتيجية للشركات الأمريكية والإسرائيلية.

وبالإضافة إلى ذلك، كشفت الاعترافات أيضًا عن أنشطة الضغط الاقتصادي التي اتبعتها الشبكة، والتي شملت إشراك المؤسسات المالية الدولية في تحكمها بالأسواق المالية اليمنية، وتوجيه السياسات المالية والضريبية بما يخدم أجندات القوى الخارجية.

وفي سياق آخر، أكد الجواسيس على دورهم في دعم برامج “الإصلاح الاقتصادي” التي تهدف إلى تحريك الاقتصاد اليمني نحو الخصخصة وإلغاء الحمائية، مما أدى إلى تفكيك الهياكل الاقتصادية التقليدية وزيادة التبعية الاقتصادية لليمن من قبل القوى الخارجية.

وفي النهاية، فإن هذه الاعترافات تكشف عن مدى التآمر الاقتصادي والتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لليمن، وتبرز أهمية حماية السيادة الاقتصادية والوطنية لليمن وحقه في تحقيق التنمية المستدامة بما يخدم مصالح شعبها ويحافظ على استقلاليتها الاقتصادية.

كذلك ومن الاخطر في هذه الشبكة للجواسيس هو المساس بالمجال العسكري أيضا، فقد سعت الشبكة للحصول على معلومات عسكرية سرية تتعلق بالقوات المسلحة اليمنية، ورصدت التحركات العسكرية ورفعت الإحداثيات وأدارت خلايا تجسسية في المؤسسات العسكرية اليمنية وبنفس الطريقة بأيادي يمنية نت المؤسسة العسكرية التي كانت ترفع التقارير والمعلومات.

منذ إعلان استقلالها في عام 1776، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى توسيع نفوذها على الساحة العالمية، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اتخذت سياسات تسعى إلى الهيمنة والسيطرة على الدول الأخرى تحت شعارات مثل “الحرية والديمقراطية”.

ومع تفكك الاتحاد السوفيتي، برزت الولايات المتحدة كقوة مهيمنة عالميًا، إلا أن تحديات جديدة أتت من اليمن بقيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، الذي أظهر قدرات الشعب اليمني في مواجهة الأجندات الأمريكية والإسرائيلية علاوة على أن تصاعد قوى جماعة الحوثيين استهدف مصالح أمريكا وإسرائيل الإقليمية والدولية بشكل فعّال.

وهذا ما يلخّص أهمية وخطورة النشاطات التجسسية التي قامت بها الشبكة الأمريكية الإسرائيلية في اليمن، مؤكدا على الأثر السلبي الكبير الذي تركه هذا التدخل على مختلف جوانب الحياة في اليمن.

على مر التاريخ، كانت القوى الأمريكية والإسرائيلية تتغلغل بمهارة فائقة داخل الدول، دون ترك أي أثر لهذا التدخل، أو دعنا نقول دون أن تكون مفضوحة لهذه الدرجة، و يتم ذالك عبر تجنيد أشخاص نافذين في الدولة ولهم سلطة، وجعلهم خونة وجواسيس لخدمة مصالح هذه القوى وتحقيق أجنداتها.

في اليمن، على سبيل المثال، تمكّنت هذه القوى من السيطرة التامة على مجريات الأمور، حيث أصبحت البلاد ضحية لشبكات التجسس التي سرّبت معلومات سرية وأثرت على الاقتصاد والسياسة والأمن الوطني بل وأكثر من ذلك تساهم في الإطاحة بالبلاد من خلال سياسة تعطيل مصالح الدولة بشكل ممنهج.

هذه الخيانة والجاسوسية تجسدت في عمليات معقدة هدفها شل الحركة الداخلية ونهش القدرات المحلية وتفكيك مفاصل الدولة وتفقير الدولة وجعلها رهينة للقوى الخارجية تتحكّم بها وتجعل منها دولة من دون سيادة.

  إن التدخل الأمريكي والإسرائيلي لم يكن دائمًا بوضوح الشيطان الذي يفعله أي شيء لتحقيق مصالحه؛ بل كان يظهر في صورة المنقذ والذي يقدّم المساعدات والحلول، لكن في الحقيقة، كان هذا التدخل يخدم أجندات خفية تتعلق بمصالح هذه القوى فقط.

 وفي هذا السياق، ليست هذه الفترة من التاريخ جيدة بالنسبة للغرب؛ فقد كشفت الحقائق زيف ادعاءاتهم، سواء فيما يتعلق بالحرب في فلسطين أو الثورة الدولية ضدّهم، وأيضًا كشف شبكة الجواسيس اليمنيين وقوة الشرق المتصاعدة.

على مدار العقود، كان للولايات المتحدة وإسرائيل نهج معين لاختراق الدول؛ نهج يتضمن التجسس والسيطرة على الحكومات عبر أشخاص نافذين ولهم سلطة في تلك الدول ينفّذون أجنداتهم، فأغلب القادة والمسؤولين هم موظفين لدى الأمركيان والغرب.

 وقد قامت هذه القوى بدراسة عميقة على المجتمعات اليمنية وتاريخ القبائل لتطبيق استراتيجياتها بفعالية من خلال تجنيد أشخاص نافذين من جهة  ومنبهرين بالثقافة والتطور الغربي من جهة أخرى، و بالطبع دون وجود حصانة ثقافية أو وعي كافٍ، استطاعت القوى الغربية الدخول إلى هذه الدول تحت مسميات حقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق المرأة.

هذا المخطط لم يقتصر على اليمن فقط، بل تكرر في العراق وسوريا وليبيا واليمن، ومن المحتمل أن يكون نفس السيناريو قيد التنفيذ في العديد من الدول الأخرى.

فاليوم، عندما نلقي نظرة عامة على الأوضاع في العديد من البلدان خاصة في إفريقيا، نجد أنها تعيش نفس الوضعية الاقتصادية والأمنية التي عاشتها اليمن: عدم استقرار وتدخل خارجي تحت قناع حقوق الإنسان.

ويمكننا أن نقر بأن ما يحدث في اليمن هو نموذج لفهم ما يحدث في العديد من الدول الأخرى حول العالم.

 إن الوجود الغربي والاختراق الذي ينهش في دول عديدة هو العامل الرئيسي والأساسي وراء عدم استقرار هذه الدول وإذا عدنا بالتاريخ قليلا إلى الوراء نجد أن هشاشة هذه الدول هو نتاج للتراث الاستعماري أي لفترة الاحتلال والاستعمار السابقة لهذه الدول الهشة من قبل هذه القوى الغاصبة.

في الختام، يمكن القول إن فهم الأوضاع الحالية في العديد من الدول يتطلب ربط الأحداث بما جرى ويجري في اليمن، حيث يتضح أن التدخلات الغربية لم تكن إلا جزءًا من سيناريوهات معدة مسبقًا، هدفها الأساسي هو تحقيق مصالح جيوسياسية واقتصادية لهذه القوى على حساب سيادة الدول واستقرارها.

في خضم التطورات الجيوسياسية العالمية المتسارعة، تتفق الفرضيات على أن هذه الفترة تمثل أسوأ الأوقات في التاريخ بالنسبة لأمريكا وإسرائيل والغرب بشكل عام، وقد تكون الضربة القاضية التي تؤدي إلى نهاية هيمنتهم.

فمن جهة، كشفت حرب غزة الوجه الحقيقي للغرب أمام العالم، مما أحدث هزة في الصورة النمطية للقوى الغربية.

ومن جهة أخرى، فإن المستجدات في اليمن وتداعياتها على الإقليم والمنطقة والعالم بشكل عام تبرز أهمية مراجعة الحسابات الجيوسياسية.

بالتوازي، برز المعسكر الشرقي بقوة كبديل محتمل، يمتلك الإمكانيات اللازمة لإستبدال وتعويض السيطرة الغربية التي استمرت لسنوات طويلة.

في ظل هذه الظروف، يجب على جميع الدول النظر بجدية وعمق إلى هذه المستجدات وتحليل ما يحدث اليوم في اليمن، وإسقاط التجربة اليمنية على أوضاعها الداخلية لتجنب التداعيات الكارثية أو على الأقل الاستفاقة قبل فوات الأوان لإيقاف النزيف.

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *