الأثنين. نوفمبر 25th, 2024

من المثبت تاريخيا أن “الفظائع الدعائية الحربية” جاءت قبل ظهور وسائل اﻹعلام المسموعة والمرئية فالتأثير النفسي على الجيش وسكان العدو كان من أهم عناصر الحرب منذ العصور القديمة .

أول من صاغ قواعد الحرب العالمية هي الصين في القرن السادس قبل الميلاد وقد صاغه قائد عسكري صيني بارز في كتابه “فن الحرب” ويذكر فيه أن  أفضل إنتصار هو اﻹنتصار دون خوض المعارك وأن الفكرة الأساسية للحرب اﻹعلامية تقوم على أن أعظم فن لشن الحروب يتلخص في الهجوم على عقل العدو ولا على مدنه.

يفعل السلاح اﻹعلامي إذا فعله في إتجاهين:

 أولا إلحاق الأذى بالمنضومات اﻹعلامية للدول الأخرى المعادية،

 ثانيا والأخطر التحكم بوعي مجتمع العدو.

ظهر مفهوم “الحرب اﻹعلامية” في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى على مرّ التاريخ كان نشر الأخبار الكاذبة  والتضليل ونشر الشائعات حيث كانت العمليات اﻹعلامية واﻹعلامية النفسية ترافق العمليات الحربية عادة.

 أما اليوم فإن اﻹعلام بصفته عملية حربية صار يتمتع بإمكانيات تدمير الدولة بدون عمليات حربية ونذكر أنه ن أهم الحروب اﻹعلامية قديما دارت أحداثها بين روسيا والغرب وتبلورت حول إرادة روسيا في الحصول على لقب روما الثالثة وصدها من قبل الغرب.

وتعود جذور هذا المفهوم إلى ظهور العديد من النظريات الخاصة حول علم النفس اﻹنساني وكيفية التأثير على سلوك الجماهير فقد لاحظ العلماء أنه بوجود طريقة علمية يستطعون التحكم في السلوك اﻹنساني.

أجهزة المخابرات اﻷمريكية هي أول من إلتقط الفكرة عام 1954 فبدأت بالتعاون مع شخصيات بارزة في المجتمعات العالمية في وضع برنامج أو نظام بشري يضمن سلامة السلوك الجماهيري والسيطرة على وسائل اﻹعلام وغسل أدمغة الشعوب المراد إستهدافها وظهر مع بدايات 1955 مشروع “مونارك” وهو تطور عن مشروع غسل اﻷدمغة والتحكم في اﻷفكار اﻹنسانية الذي تم عام 1945 تحت تجربة النازيين ثم طور هذا المشروع  ليشهد بذلك أكثر خطورة.

 أما الاعلام المعاصر وصفه “روبرت فيسك” بجريمة القرن العشرين، لأنه أصبح كالعصا السحرية التي تتحكم بالعقول، وتوجهها لتبني مختلف المواقف، بل أصبح للإعلام قدرة على خلق واقع وهمي جديد لا يمكن أن تراه الا من خلال الإعلام.

وتصل أحيانا الى نقطة مفادها انه لا توجد أسباب حقيقية لكل ما تثيره الوسائل الإعلامية من حروب اقتصادية، ومخاوف أمنية وصحية، وما نعيشه ليس سوى حروب وهمية، تهدد عقولنا صنعتها آلة الاعلام لتخدم اجندات مختلفة تنصب كلها لصالح الأقوى الذي يقدم نظرته.

 ومن طبيعة عقل الانسان أنه يميل أكثر الى تلقي الخرافة، والوهم، وتصديق المجهول، وما ورائيات ، والامر لا يتوقف عند مستوى تعليمي، أو ثقافي، أو اقتصادي معين، فكما سكنت الخرافات المجتمعات القديمة نجدها أيضا تسكن المجتمعات المتطورة، بل أن الانفتاح ساهم في نشر الوهم، والخرافة بشكل أوسع، وأسرع .

بحسب واقع الحال، لا يوجد إعلام حر في أي دولة في العالم، حتى لو كانت متقدمة. الإعلام الغربي كله عبارة عن” إعلام موجه” وليس إعلاما حرا ومن الواضح أن الإعلام في الدول المتقدمة هو إعلام خاضع للرقابة. وفي الواقع فإن القنوات الفضائية الأجنبية الناطقة بالعربية هي مجرد وسائل إعلام خاضعة للرقابة.

 وهذه دعاية موجهة للدول المتقدمة في عالمنا الشرقي والقنوات الإعلامية البريطانية والامريكية على غرار ” سي أن أن”و “بي بي سي العربية” وحتى في فرنسا على غرار القنوات الفرنسية.

 بمعنى آخر إن الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن ينتشرون في فضائنا العربي.

وبالتالي فإن عالمنا العربي يمتلئ بهذه القنوات الأجنبية التي ترتدي الزي العربي! ومن ناحية أخرى، في منطقتنا العربية لا يوجد إعلام يركز على هذه الدول، وهذا عنصر إيجابي.

ولم تكن وسائل الإعلام حرة قط، ولن تكون كذلك أبدا، حتى لو كانت البلاد ديمقراطية.

إن ضعف الإعلام العربي وعدم قدرته على مواكبة الإعلام بمفهومه الجديد الذي يمثل مصالح المجتمعات العربية.

لقد أتاح  ذلك للقنوات الفضائية الأجنبية أن تلعب هذا الدور نيابة عن الإعلام العربي الضعيف.

 في الدول المتقدمة، لا يمكن لوسائل الإعلام الحرة أن تكون حرة بالكامل بل هي محدودة وخاضعة الى رقابة الكيانات العالمية والمصنفة خطيرة…، وإلا فإنها تتحول إلى وسائل إعلام فاسدة تتحلل مجتمعاتها.

وإذا أصبح الإعلام جامحاً دون قيود رادعة تحمي الأمم من الأبواق المأجورة، فإنه يصبح وسيلة لنشر الشائعات الكاذبة، وإثارة الصراعات الطائفية والمذهبية، ومهاجمة القبائل والمجموعات العرقية فيما بينها، بدلاً من أن يكون بمثابة إعلام.

الإعلام الموجه يعد سلاحًا ذو حدين في العصر الحديث. من ناحية، يمكن أن يكون وسيلة قوية لنشر المعلومات وتوجيه الرأي العام نحو قضايا مهمة وإيجابية، ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون أداة للتحكم والتلاعب بالعقول وتوجيه الجماهير نحو أهداف تخدم مصالح معينة على حساب الحقيقة والموضوعية.

 تأثير الإعلام الموجه يظهر بوضوح في السياسة والاقتصاد والثقافة، حيث يمكنه التأثير على نتائج الانتخابات، تشكيل السياسات العامة، وحتى تغيير ثقافات بأكملها.

 ومع تزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، أصبحت القدرة على توجيه الرأي العام أكثر قوة وسرعة.

مع ذلك، يظل من الضروري على الأفراد أن يتحلوا بالوعي النقدي تجاه ما يستهلكونه من معلومات.

التعليم الإعلامي وتنمية مهارات التفكير النقدي يمكن أن يساعدا في التصدي للتأثيرات السلبية للإعلام الموجه. على الحكومات والمؤسسات الإعلامية أيضًا تحمل مسؤولياتها في تقديم معلومات دقيقة وموضوعية، والتصدي لمحاولات التلاعب والتضليل.

نكتشف في الختام أن اﻹعلام حتى وان كان حر لكن يقع تسييسه وتضليله حيث توظف الكيانات الدولية تريليونات الدولارات من أجل تحويل وجهته فقط خدمة للمصالح الخاصة، و بينما يستمر الإعلام الموجه في لعب دور كبير في تشكيل عوالمنا، يبقى على المجتمع بأسره أن يسعى لتحقيق توازن بين حرية التعبير والمسؤولية الإعلامية، لضمان أن يكون الإعلام قوة بناء وليس أداة هدم.

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *