الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

زامبيا دولة افريقية فقيرة، في عام 2002 قررت تأخذ قرضا من صندوق النقد الدولي، اشترط الصندوق عليها إلغاء التعريفة الجمركية على المواد الغذائية.

طبعا زامبيا دولة زراعية ومكتفية غذائيا، لكن الصندوق اشترط عليها السماح باستيراد الغذاء. وكانت النتيجة إغراق السوق بالمنتجات الزراعية الاوروبية وخسارة المزارعين الذين اضطروا الى ترك الزراعة. وانتهى الأمر بها دولة مستوردة للغذاء وعاجزة عن تحقيق أمنها الغذائي… والهدف من هذه العملية كان إيجاد سوق لتصريف المنتجات الزراعية الأوروبيةوخاصة التبعية الغذائية للبلد ومن ذلك الهيمنة عليها ونهب مواردها الطاقيةوغيرها من الموارد.

صندوق النقد الدولي هو ذراع الرأسمالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، بعد فشل الدول في سداد القروض تبدأ قرصنة مواردها.

هنا، يدعي الصندوق أن الدولة لا يمكنها أن تستثمر مواردها بشكل صحيح، ويفرض على الدول المتعثرة شروطا جديدة تنتهي بدمار اقتصاد الدولة وتحويلها لأسواق للدول الغربية، أو السماح للشركات العابرة للقوميات بالاستحواذ على أسواقها ومواردها.

البيرو في أمريكا الجنوبية كانت ضحية لمصيدة قروض صندوق النقد، البيرو كانت منتجا رئيسا للقمح، لكن اشترط الصندوق عليها السماح باستيراد القمح من الولايات المتحدة الأمريكية. والنتيجة ايضا كانت تضرر مزارعي القمح. اضطرت الى بيع غالبية مؤسسات القمح الى زراعة المواد المخدرة، لتصبح مصدرا رئيسا للمخدرات في العالم.

سياسة صندوق النقد الدولي تعتمد على إلزام الدول المقترضة بسياسات التقشف ورفع الدعم عن السلع الرئيسية مثل الخبز والمحروقات والصحة والتعليم، والسماح بالخصخصة وفرض المزيد من الضرائب.

وفي النهاية يزداد الفقر وتتراجع المؤشرات الاقتصادية وينهار الاقتصاد، هنا تكون الفرصة مهيئة للاستحواذ على القرار السياسي للدولة، لأن الدول المفلسة والعاجزة اقتصاديا لا تمتلك قرارها السياسي.

ولكن للاسف حتى الآن لا تزال العديد من الدول تسعى للحصول على هذه القروض، الارجنتين كانت من اغنى الدول وشعبها يمتلك رفاهية تامة و دخلا مرتفعا بعد الحرب العالمية الثانية، كان النمو الاقتصادي فيها الأعلى في العالم، ودخل الفرد فيها كان مرتفعا، لكن رجال السياسة أفسدوا الاقتصاد من خلال الانقلابات العسكرية والفساد. وطبعا امريكا كانت تريد أن تستفيد من موارد الأرجنتين. فعرض صندوق النقد الدولي خدماته ووعدها بقروض كبيرة، لكن مقابل شروط قاسية جدا وقدم وصفة اقتصادية قال انها ستعيد الاقتصاد الأرجنتيني كما كان…

بعد عدة سنوات من وصفة الصندوق، بدأ الاقتصاد الأرجنتيني بالانهيار، افلست الشركات والبنوك، ارتفعت البطالة الى 30%، ووصل الفقر إلى 35%.

انهار الدخل، أفلست الحكومة واضطرت إلى بيع غالبية مؤسسات الدولة لشركات اجنبية… وثمن الشركات تم دفعه لصندوق النقد الدولي جزءا من القروض. وفي النهاية أعلنت الارجنتين افلاسها. المفارقة أن الصندوق عام 2004 اعترف بأن سياساته في الأرجنتين كانت خاطئة وأنه اوصل البلاد الى الافلاس، وقدم اعتذارا. ولكن ما قيمة الاعتذار بعد تدمير اقتصاد دولة وافقار شعب ونهب الموارد والثروات؟ هذا الاعتذار مثل قبلة على جبين ميت.

طبعا، ليس كل الدول وقعت في فخ الاقتراض من صندوق النقد الدولي، بعضها كان متنبها للمكيدة.

ماليزيا بقيادة مهاتير بن محمد رفضت عرض الصندوق خلال الأزمة المالية في نهاية التسعينيات… واجهت ماليزيا ازمة اقتصادية، وعلى الفور عرض صندوق النقد الدولي مساعدته، لكن رفض الرئيس الماليزي المساعدة وقال إن قبول المساعدة يعني تسليم الاقتصاد الماليزي للخارج… واعتمدت ماليزيا على مواردها الذاتية، وبالفعل تحولت الى دولة اقتصادية مهمة بعدما كانت دولة فقيرة تعتمد على زراعة المطاط.

يقول جون بيركنز في كتابه “الاغتيال الاقتصادي للأمم” ان صندوق النقد الدولي أداة للقرصنة الاقتصادية والدولة التي تسير في طريق الصندوق تسير للهاوية. وبالطبع هذا الشيء صحيح، لأن أغلبية الدول التي اخذت قروضا لمعالجة ازماتها الاقتصادية أو لدعم التنمية انتهى الامر بها مفلسة وافتقر شعبهاوهي اليوم تعيش الإستعمار المباشر والغير المباشر وخاصة يسقط عليها مبدأ السيادة الوطنية التي تصبح مرهونة لهذا الصندوق الخبيث.

سياسة الغرب عموما وصندوق النقد الدولي على وجه الخصوص في افريقيا، أديا إلى إغراقها في الديون. وهو ما دفع المنظمات الإغاثية لقول “كل طفل افريقي يولد وفي عنقه دين لا يستطيع سداده طيلة حياته.

لهذا قال رئيس أوغندا “على الغرب وكلب الحراسه الاسرائيلي ان يدركوا انهم لا يمكنهم ان يعتبروا افريقيا بقرة يحلبونها بوحشية دون ان يتركوا لها الحد الادنى من العلف الذي يبقيها على قيد الحياة”.

 هذا القول يوضح مدى الظلم الذي تسببه السياسات الغربية في الدول الفقيرة، وطبعا القروض أداة رئيسة للهيمنة على هذه الدول.

حاليا مصر تتجه نحو قروض صندوق النقد الدولي. وحاليا  تسعى للحصول على القرض الرابع من الصندوق، وقد تبلغ قيمة القرض الجديد 8 مليارات دولار.

 لكن وكالعادة توجد شروط للصندوق، أهمها تحرير سعر صرف الجنيه، ورفع الدعم عن المحروقات، وبيع بعض مؤسسات الدولة للقطاع الخاص.

 الدين الخارجي لمصر يرتفع بشكل حاد، حاليا وصل الى 164 مليار دولار، والأوضاع الاستراتيجية في المنطقة يمكن أن تزيد الضغوط الاقتصادية عليها.

الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والأزمة في مضيق عدن يؤثرون سلبا على ايرادات قناة السويس، ووصل التضخم إلى 35%.

 لهذا لا يتحمل الوضع الاقتصادي مخاطرات جديدة. التعامل مع صندوق النقد الدولي أشبه باللعب بالنار، واقتصاد مصر وغيرها من الدول لا تتحمل مغامرات، لأن الصندوق يعطي بيد ويأخذ بالاخرى اكثر مما اعطى.

والنماذج الدولية عديدة و محرجة ومهما كانت حدة الأزمات الاقتصادية، حلها لا يكون بالدخول الى وكر الافعى.

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *