الجمعة. سبتمبر 20th, 2024

في سياق عالمي يتسم بعدم الإستقرار جراء الحروب القائمة، التغير المناخي والتلوث البيئي التي أدت إلى أزمة فلاحية وغذائية عالمية تهدد أمن وسيادة جلّ الدول، يعرف قطاع الصيد البحري والثروة السمكية في البلاد التونسية تشبث في نجاته، نظرا لأهميته في الإقتصاد الوطني والأمن الغذائي لتحقيقه التوازن في الميزان التجاري وتوفير العملة الصعبة.

إذ يقدر إنتاج الصيد البحري الوطني في مارس 2024[1] بـ 158 ألف طن بقيمة 1400 مليون دينار، مساهما في تحسين القطاع الفلاحي الذي يساعد بدوره على النمو الإقتصادي بنسبة 0.1% في الربع الأول من سنة 2024[2].

ويعود هذا لأهمية الموارد البحرية للبلاد التونسية، إذ يبلغ طول الشريط الساحلي 1300 كلم، وعدد الموانئ 42 ميناء. و يتكون أسطول الصيد الناشط من 14 ألف وحدة، إضافة إلى 43700 يد عاملة مباشرة موزعة على كامل تراب الجمهورية[3].

ورغم كل المجهودات المبذولة لمقاومة التغير المناخي والعوامل الجيوسياسية، إلاّ أن قطاع الفلاحة عرف تراجعا في قيمته المضافة بنسبة 11,2% في سنة 2023[4]. كما يواجه قطاع الصيد البحري العديد من المصاعب و التحديات، و التي تعمل المنظومة الإستراتيجية الوطنية لحلها و التصدي لها.

   يعرف قطاع الصيد البحري في تونس عدة تحديات تتمثل في:

هشاشة البنية التحتية والوسائل اللوجستية وعدم تهيئة الموانئ وتنظيم الأسواق، في ظل نقص الإستثمار وعدم مواكبة التطور التكنولوجي، مما يؤدي إلى صعوبة في الصيد، والبيع والاستثمار والتصدير إلى جانب إرتفاع الأسعار، وانعدام أمن وسلامة الصيادين.

إضافة إلى التلوث وآثاره على الثروة السمكية مثل إنقراض بعض الفصائل، هذا إلى جانب عدم التوازن البيئي جراء التغير المناخي وعوامل طبيعية أخرى مثل فصيلة داعش التي تدمر الدورة الحياتية للكائنات المائية وتتلف معدات الصيد، مما يؤثر على وفرة المنتوج.

كما يواجه القطاع تحديات متأتية من الصيد العشوائي والغير القانوني وإستغلال الموارد البحرية الذي يؤدي إلى شح الموارد، مع إستعمال معدات غير قانونية دون رقابة، مما يؤدي إلى خسارة الصيادين الذين يستعملون المعدات التقليدية، و تقنيات غير قانونية وغير ملائمة تؤدي إلى الإضرار بالموارد المائية والبيئية مثل الجرافات الساحلية والكشافات الضوئية القوية 320 فولت عوضا عن 220[5].

كما ينتج عن هذا عدم تكافؤ الفرص بين الصيادين الكبار في الأعماق مستعملين التقنيات المتطورة و الصغار في السواحل، مستعملين المعدات التقليدية. إذ ان الصيد في الأعماق يستنفد الثروة السمكية و يحد من وصولها للسواحل لإصطيادها من قبل صغار الصيادين.

مما يؤدي إلى تدهور وضعيتهم وتعريضهم للخطر في محاولة منهم دخول الأعماق دون معدات ملائمة، خاصة مع صعوبة الحصول على التراخيص للمراكب الكبيرة التي تسمح بالدخول للبحار العميقة، إضافة إلى ان أغلب الصيادين لا يتمتعون بالخدمات الإجتماعية، إذ أن 12% فقط من الصيادين في تونس يتمتعون بها[6]. وما يزيد من إنعدام تكافؤ الفرص هو منع صغار البحارين من اصطياد التن الأحمر.

يمثل غلاء المعدات و تكلفة صيانة مراكب الصيد، إرتفاع ثمن المحروقات وتراجع الكميات المدعمة[7]، وإرتفاع معاليم التصدير وتعقيد الإجراءات[8]، عقبة لإستدامة قطاع الصيد البحري، إذ يؤدي إلى إرتفاع المصاريف ثم الأسعار، وهو ما يفضي إلى تراجع الكمية المباعة ثم المرابيح، إذا تزايد التداين، لا سيما مع زيادة كمية المنتوج المصدر مقارنة بالكمية المعروضة في السوق الداخلية مما يؤدي إلى عدم تشبع السوق وتعميق إرتفاع الأسعار.

وما يزيد الوضع صعوبة هو عدم تثمين المنتجات، والبيع المباشر بأثمان غير معلومة وغير محددة ومضبوطة ولا تخضع للرقابة، وهو ما يؤدي إلى إستغلال الثمن لتحقيق مصالح خاصة.

و ما عمق أزمة الصيادين هو النقص في مرافق وخدمات الصيانة و التجهيزات مما يؤدي إلى تدهور الموانئ ومردودية القطاع إذ أنه يعطل إرساء السفن وحفظ المنتجات، إلى جانب ضعف خدمات إتحاد الصيادين والجمعيات في الدفاع عن مصالح الصيادين مما أدى إلى عزوفهم على الإنخراط وهو ما أدى إلى نشوب العديد من الصراعات بين الصيادين و تشابك مصالحهم.

كما تعد هجرة اليد العاملة، خاصة الشباب، تحدي هام لهذا خصوصا مع تراجع في تكوين الصيادين.

لتحسين وضعيتهم و تجاوز هذه المصاعب، عبّر العديد من الصيادين عن مطالبهم التي تتمثل في تحسين النقل وتهيئة البنية التحتية والموانئ وتأمينها، تنظيم الصيد البحري والتصدي للممارسات الغير القانونية والعشوائية، تحسين الخدمات ودور المنظمات والجمعيات، تثمين المنتوجات وتحسين قنوات بيعها، توفير التغطية الإجتماعية بإقتطاع 2% على سبيل المثال، معالجة تلوث البحر، وإعطاء منحة إستراحة الصيادين خلال الراحة البيولوجية للأسماك.

كما طالبت الشبكة التونسية للصيد البحري التقليدي المستدام في 2019 بضمان التشاركية في صنع القرار، توفير المعلومة والولوج إليها، تحديد مسؤولية كل طرف وتحسين التنسيق بينهم، تحسين المراقبة وتطبيق القانون على المخالفين له، إضافة إلى إنشاء مناطق ساحلية مخصصة للصيد التقليدي[10]. هذا إلى جانب المطالبة بالسماح لصغار البحارين باصطياد التن الأحمر.

تمثل هذه التحديات والمطالب، اهداف المنظومة الإستراتيجية التي تعطيها الأولوية الكاملة للتصدي لتحديات قطاع الصيد البحري وتطويره والنهوض به.

فماهي الإستراتيجية الحالية المعتمدة لهذه المنظومة؟

تقوم الإستراتيجية الوطنية الحالية في فترة تمتد من 2023 إلى 2025 أساسا على المحافظة على الثروة البحرية وديمومة المخزون السمكي و تثمينه وذلك من خلال تظافر جهود كل أطراف حلقة الصيد البحري للتصدي للصيد العشوائي والغير قانوني بوضع قواعد إستغلال الموارد والحرص على تطبيقها ولتحسين الأسطول البحري، إلى جانب تطوير سلسلة الإنتاج والتسويق والتوزيع لزيادة القدرة التنافسية وتعديل السوق، إضافة إلى تطوير التنمية المستديمة لقطاع الصيد البحري والمحافظة على الموارد البحرية من خلال الترفيع في حماية المساحات بتهيئة الموانئ، تحديدا 50% من عددها الإجمالي المتمثل في 42 إلى حدود 2030، إلى جانب إنجاز مشاريع تركيز الأرصفة العائمة ومشاريع نموذجية مثل المشروع النموذجي شعاب رواد وخليج ڨابس والخطة الوطنية لإنقاذ وتطوير منظومة القفالة بتونس، وأيظا من خلال تحسين تجهيز المراكب الكبيرة التي تتجاوز 15 متر، إلى جانب تقليص عدد وحدات الصيد البحري لكل عون حرس صيد بحري محلّف، و متابعة صيد التن الأحمر.

تسعى المنظومة الإستراتيجية الوطنية المعتمدة إلى تطوير قطاع الصيد البحري من خلال تعصير التقنيات والخدمات، تطوير تربية الأسماك وتنويع المنتجات والتشجيع على إنجاز المشاريع، تحسين جودة المنتوج البحري على المستوى المحلي والعالمي لتعزيز التصدير والنهوض به، وتحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص من خلال الترفيع في عدد بطاقات صياد محترف الممنوحة للنساء وتحسين ظروف ومعدات عملهن إلى جانب إعطائهن قروض صغرى للإستثمار في مشاريع أخرى في حالة تعليق نشاطهن في إطار خطة وطنية للحفاظ على الموارد.

كما تهدف المنظومة إلى حوكمة القطاع، خاصة في ما يتعلق بالمحروقات كإعطاء منحة محروقات، و رقمنته مع توثيق المعلومات و تسهيل الحصول عليها، تعصير البنية التحتية والمعدات وتحسين الخدمات، مراجعة التغطية الإجتماعية وتعزيز سلامة النشاط البحري إلى جانب تطوير عمل المنظومات والبحث العلمي في قطاع الصيد البحري.

واستنادا إلى المشروع السنوي لأداء مهمة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري لسنة 2024، تتمثل أهم أهداف وخطط المنظومة الإستراتيجية الوطنية الحالية في قطاع الصيد البحري في:

تعمل الإستراتيجية الوطنية الحالية على التصدي لجل تحديات الصيد البحري و معالجتها. وتمثل أهداف هذه الإستراتيجية إجابة ملائمة لأولوليات تحديات الصيادين ومطالبهم، ألا وهي تهيئة الموانئ وتحسين البنية التحتية، التصدي للصيد العشوائي والغير قانوني، المحافظة على الثروة البيئية البحرية و محاربة التلوث والتغير المناخي، تثمين المنتجات البحرية، إعطاء منحة محروقات و توفير التراخيص للمراكب الكبيرة، إلى جانب التشجيع على الاستثمار و تحقيق المساواة و تكافؤ الفرص.

هذا ومع أن بعض مطالب الصيادين لم يتم العمل عليها في هذه الإستراتيجية، أبرزها عدم توفر التغطية الإجتماعية، إرتفاع معاليم التصدير وتعقيد إجراءاته وزيادة في كمية المنتوج المصدر مقارنة بالكمية المعروضة مما يؤدي إلى عدم تشبع السوق و إرتفاع الأسعار، إلى جانب إرتفاع أسعار المعدات و منع صغار الصيادين من إصطياد التن الأحمر.

ورغم صعوبة التحديات، يشهد قطاع الصيد البحري تحسنا إذ إرتفعت معدل الإنتاج من 130 ألف طن خلال السنوات الخمس الأخيرة[12] إلى 158 ألف طن في الثلاثي الأول من 2024.

وتتوفر لهذه المنظومة الإستراتيجية الحالية كل فرص النجاح وتحقيق المزيد من النتائج الملحوظة في معالجتها لأهم تحديات قطاع الصيد البحري.


[1] هاجر بن ذياب، كاهية مدير بالادارة العامة للصيد البحري و تربية الأسماك، حوار في الإذاعة الوطنية، مارس 2024

[2] إحصائيات تونس, ”النمو الإقتصادي للثلاثي الأول لسنة 2024”, 2024

[3] أهم مؤشرات قطاع الفالحة في تونس, المرصد الوطني للفلاحة ,وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري,ص1 ,ماي 2024

[4] إحصائيات تونس, ”النمو الإقتصادي للثلاثي الرابع لسنة 2023”, 2023

[5] آمنة بن كحلة، دراسة حول صغار البحارة ووضعية الصيد الساحلي في جرجيس و قرقنة و طبلبة، المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية و الإجتماعية، أكتوبر 2021, ص12

[6] آمنة بن كحلة، دراسة حول صغار البحارة ووضعية الصيد الساحلي في جرجيس و قرقنة و طبلبة، المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية و الإجتماعية، أكتوبر 2021, ص10

[7] الترا تونس, ”بحارة تونس يشتكون من مشاكل عديدة يعرفها قطاع الصيد البحري ويلوّحون بالاحتجاج”, ماي2023

[8] الترا تونس, ”بحارة تونس يشتكون من مشاكل عديدة يعرفها قطاع الصيد البحري ويلوّحون بالاحتجاج”, ماي2023

[9] آمنة بن كحلة، دراسة حول صغار البحارة ووضعية الصيد الساحلي في جرجيس و قرقنة و طبلبة، المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية و الإجتماعية، أكتوبر 2021

[10] سمير بلحسن, ”الصيد البحري في تونس: حوكمة عوراء في خدمة الحيتان والقروش”, المنبر التونسي, افريل 2019

[11] الجمهورية التونسية، وزارة الفلاحة و الموارد المائية و الصيد البحري، ”المشروع السنوي لأداء مهمة الفلاحة و الموارد المائية و الصيد البحري لسنة 2024”، ص27-ص38, أكتوبر 2023

[12] وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحرية, وكالة النهوض بالإستثمارات الفلاحية، ‘’مشاركة الوكالة بالصالون الدولي للصيد البحري’’, 2024

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *