الأثنين. ديسمبر 23rd, 2024

“سقطت كابول” وبضعة أسابيع فقط كانت كافية لطالبان كي تتخلص من الجيش الأفغاني الذي مولته ودربته الولايات المتحدة خلال عشرين عامًا. للتذكير، صمد النظام الشيوعي في أفغانستان لمدة ثلاث سنوات بعد انسحاب الجيش الأحمر.

لكن الكارثة الأفغانية بغض النظر عن هذه الهزيمة بالذات، وقعت على الفشل الذريع “للحرب على الإرهاب” والإرهاب صناعة أمريكية أصلية.

إن ظروف خروج الولايات المتّحدة الأمريكيّة من أفغانستان كانت تحت ضغوط عسكريية واقتصاديّة عانت منها. جعلها توقِّع مع طالبان اتفاقيّة في الدّوحة منذ العام 2020 تقضي بانسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان في غضون 14 شهرا وتشكيلَ حكومة جديدة بعد محادثاتٍ بين الأطراف الأفغانية.

تطرح “محادثات الدوحة” من جديد تحديات صعبة للغاية في اطار تحييد حكم طالبان واستيعاب التوازن السياسي الداخلي بين حكم طالبان ودولة أفغانستان، يأتي ذلك في ظل عدم توافق دولي في أن تصبح لطالبان حكم اقليمي فأفغانستان نظام سياسي شرعي معترف به دوليا فالمعادلة صعبة.

 وُقعت اتفاقيّة سرية بين الولايات المتحدّة وطالبان برعايةِ دولة خليجية، كانَ ضمنَ المعلن من بنودها تحييدَ الجيش تماما، فسُلّمت مقرّات الجيش وعواصم أفغانستان لطالبان بِدون مقاومة تُذكر، حيث أرادَت واشنطن إعادة أفغانستان إلى ما كانت عليه قبل 20 سنة، فبهذا التسليم قضت على مؤسّسات الجيش الأفغانيّ والشرطة والاستخبارات التي كان قوامها 300 ألفِ فرد.

إلى جانب ذلك وعند خروجها عملتْ واشنطن على إعادة أفغانستان إلى المربّع الأوّل اقتصاديا، فجمّدت كلّ أرصدة المركزي الأفغاني المودعة في البنوك الأمريكيّة (10 مليار دولار تقريبًا) وأوقفت المساعدات الأجنبيّة التي كانت تشكّل نحو 70 ./. من موازنة البلاد إلى جانب تعطيل كلّ المشاريع الجاريَة، وأجلَت معها أكثر من 123 ألف موظّفٍ كبيرٍ ومتخصّص وفنّي أفغاني.

 تغيّرت إذًا الخطّة الأمريكّية في أفغانستان من عسكريّة إلى استخباراتيّة، ذلك لأنّ مصاريف الحرب كانت كبيرة جدّا، فأرادت واشنطن تحميل المصاريف لمنافسيها كالصّين وروسيا، كونهما متضرّرتان من حالة الانفلات الأمنيّ في المنطقة أكثر منها.

تسعى الولايات المتحدّة من كلّ ذلك إلى تهيئة أفغانستان من جديد كساحة تصفية حسابات، تعاني الفوضى واللاّنظام وتنشط فيها الجماعات المتطرّفة لتكون بيئة تستخدمها الاستخبارات لعرقلة الصين وإثارة المشكلات في”شينجيانغ “وتسريب القلاقل إلى آسيا الوسطى وروسيا وغيرها.

في حين تركز بعض الدول المتضررة إقليميا على إفشال تلكَ المخطّطات بخطوتين اثنتين كملء الفراغ الذي أحدثه الإنسحاب الأميركي المفاجئ، ذلك بأنْ تقوم الدّول المتضرّرة من حالة الفوضى واللانظام بتقديمِ مساعداتٍ لأفغانستان.

ومن جهة ثانية التوصل الى اقناع حركة طالبان بتغييرِ سلوكها  وسياساتها لاستيعاب كل الأطياف الأفغانية ومنها ما تتوخاه روسيا تجاه طالبان بكل حذر وترقب.

كذاك إمكانيّة ظهور “داعش والقاعدة” والجماعات المتشدّدة بمساعدة الدول الغربيّة، خاصّةً في المناطق القريبة من “الصّين وطاجيكستان وأوزبكستان” التي ستبقى فارغةً أمام أنشطة التطرّف بسبب انشغال طالبان في أمور الحكم وعدم قدرتها على السّيطرة على الحدود والأماكن البعيدة.

ناهيك عن انتشار الفقر بين السّكان  مما سيؤدي إلى موجات هجرة واسعة، ويسبّب انتشار المخدّرات والفساد والسّرقات وارتفاع معدّلات الجريمة واستقطاب الفقر نحو الإرهاب وإرضائه بالمال ممّا يهدّد بعودة القتال الداخلي في أفغانستان من جديد، وبالفعل ظهرَ في الأيام القليلة الماضية، مناوشات قتاليّة.

لا يوجد حتى الآن نيّة لدى معظم الدّول للاعترافِ بطالبان، بما فيها الولايات المتحدة التي أجاب رئيسُها عند سؤاله عن ذلك “بيننا وبين الاعترافِ بهم طريق بعيد”

كما لا تعترف حركة طالبان بالدّستور الحالي لأفغانستان، وهم يعتمدون في حكمهم على أذواقهم الأمر الذي سيثير الكثير من المشكلات في البلاد. هذا وتقول طالبان أنها بالمقابل تواجه تحديات كإمكانيّة عودة الحرب ضدّها من قِبل بقايا الحكومة السابقة والأحزاب المعارضة لها، خاصّة المجموعات التي هربت بأسلحتها من المدن إلى الأماكن البعيدة فورَ وصول طالبان، ومجموعات مقاوِمة في “بنجشير”، وكذلك مجموعاتٍ مايسمى برشيد”دوستم “

أن حل  مشكلة أفغانستان يَكمن في إسكات صوتِ السّلاح، وهذا لا يكون إلا بدورانِ عجلةِ  الدولة الأمر الذي يُحتم على جميعِ الأطراف وعلى رأسهم طالبان، السعي لمصالحة وطنية شاملة في البلاد.

منذ 2001 تجاهل مؤتمر “بون” وجود وطبيعة حركة طالبان بشكل كامل وتم إخراج هذه الجماعة من المعادلة الأفغانية، إلا أن حكم طالبان الآن أصبح حقيقة لا يمكن إنكارها.

فحكومة طالبان باتت اليوم الحاكم المطلق لكامل أراضي أفغانستان وأراضيها. كما أن الأغلبية المطلقة من المعارضين السياسيين والعسكريين لطالبان لا يعتبرون الحرب مع طالبان حلا ويريدون التعاون السياسي مع طالبان.

ومن خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع حكومة طالبان، قد قبلت دول المنطقة عمليا وفعليا بشكل غير رسمي السيادة السياسية لهذه الجماعة على أراضي أفغانستان لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي القضية الرئيسية التي لم يتم حلّها فيما يتعلق بمستقبل أفغانستان؟

القضية الأساسية التي لم يتم حلها في حكومة طالبان هي أسلوب حكم طالبان والافتقار إلى عملية بناء الدولة في أفغانستان.

 وتشير التحليلات الواقعية بوضوح إلى أن حكم طالبان نجح على الأقل في ضمان الأمن الوطني في أفغانستان والحد من الفساد في الحكومة.

ومع ذلك إذا قارنا حكم طالبان بمبدأ الحكم الرشيد، كمبدأ عالمي فإن تحديات في هذا النوع من الحكم تتكشف بطريقة مثيرة للتفكير

ومن المفهوم أن طريقة حكم طالبان والافتقار إلى حكومة شاملة ووطنية في أفغانستان يشكل تحديا أساسيا للمستقبل السياسي لأفغانستان، كما يشكل تهديدا محتملا للأمن الإقليمي وخارج المنطقة.

إن الموضوع الرئيس والهدف الرئيس للعمليات الإقليمية وغير الإقليمية في شكل “صيغة موسكو” و”عملية الدوحة” هو إيجاد حل للحكم الرشيد وتشكيل حكومة وطنية شاملة في أفغانستان.

 أما بقية القضايا الراهنة في أفغانستان، مثل الأمن الداخلي ومكافحة المخدرات وغيرها من القضايا فيمكن إنجازها وتحقيقها بإرادة حكومة طالبان وبدعم من دول المنطقة. 

تشير الأدلة إلى أن الاتجاهات الإقليمية وخارجها تواجه تحديات، هذه التوجهات دخلت مرحلة القطبية، وعمليا فإن إرادة الغرب والولايات المتحدة، حتى في شكل اجتماعات الدوحة  تتعارض مع الإرادة الإقليمية. وهذا الوضع الثنائي القطب يضع أفغانستان عمليا في ظروف ألعاب الحرب دون حرب.

علاوة عليه، تعارض حكومة طالبان المطالب الرئيسية للاتجاهات الإقليمية والدولية القائمة على تفسيراتها الدينية والعرقية لسلطة وسمات الحكم في أفغانستان.

 تفسر طالبان أي نوع من رأي المجتمع الدولي فيما يتعلق بتغيير حكمها أو تشكيل حكومة شاملة هو تهديد وجودي لها حيث ستعود  طالبان الى المربع الأول لمصلحتها الخاصة ولبقائها أي العنف والإكراه والقتل والسلاح وهو “إرهاب”.

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *