إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 05-06-2024
شهدت العلاقة بين مالي وموريتانيا في الفترة الأخيرة توتّرات كبيرة، بالرّغم من أنّ المنطقة الحدودية التي تجاوز طولها 2200 كيلومتر لم تكن يوما خالية من حوادث الاختطاف والتهريب والقتل، حيث أنّ ذلك لم يتسبب في حصول صدامات أمنية وعسكرية بين البلدين مثل ما يجري في الوقت الراهن نتيجة التحولات السياسية الكبيرة التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء.
وتشير التقارير الموريتانية الى تعرّض مواطنيها الى “قتل ممنهج” من قبل جنود الجيش المالي وفقا لتعبيرها، وهو ما أدّى في الفترات الأخيرة الى تعزيز التواصل الديبلوماسي بين قادة موريتانيين وماليين من أجل إيجاد حلول للأزمة، حيث قام وزير الدفاع الموريتاني “حننة ولد سيدي” ورئيس الاستخبارات العسكرية اللواء أحمد فال ولد الشيباني بزيارة الى مالي لتسليم رسالة من رئيس موريتانيا الى الحاكم العسكري لمالي آسيمي غويتا، إلاّ أنّ المخرجات لم تكن سوى سلبية زادت من حدّة التوترات بين الجارتين.
ما أصل النزاع بين موريتانيا ومالي وما هي التأثيرات المحتملة لذلك؟
انطلقت جذور الأزمة تحديدا منذ شهر يناير من العام الماضي حيث أصدرت موريتانيا تقارير تفيد بمقتل 7 رعاة موريتانيين في مالي من جيوش ماليين، ممّا أدّى الى ظهور موجة غضب كبيرة لدى الشّعب الموريتاني وقيامه بمظاهرات في مقاطعة عدل بكرو الموريتانية يطالب فيها بالحماية والأمن للمواطنين.
واستجابت السلطات الموريتانية بإرسال وفد إلى العاصمة باماكو للتحقيق في تفاصيل الحادث والأسباب المؤدية الى وقوعه، وكان لوزير الداخلية المالي إلاّ أن يقدّم وعودا الى موريتانيا بالتحقيق في الأمر والقبض على المجرمين، مشيرا الى أنّ جيش بلاده لا يمكن له القيام بمثل هذه الجرائم وأنّه يمكن أن تكون جهات ماسونية على حد تعبيره مسؤولة عن الحادث المروّع، في نفس السياق قامت جهات تابعة للمجلس العسكري المالي بتوجيه الاتهام الى المخابرات الفرنسية، التي ذكرت أنّها الطرف الوحيد الذي له مصلحة من توتير العلاقات بين البلدين.
وبعد أقل من شهرين من وقوع الحادث، تكرّرت نفس الجريمة بقتل عدد من الموريتانيين على الأراضي المالية، ممّا أدّى الى موجة احتجاج أكبر من سابقتها في موريتانيا، وأعلن المتحدث باسم المجلس العسكري الحاكم في باماكو عن ضرورة التحقيق في هذه الحوادث وإرسال وفد للقيام بالإجراءات الضرورية لذلك.
كما قامت الخارجية الموريتانية من جهتها باستدعاء السفير المالي وعبّرت عن رفضها القاطع لمثل هذه الانتهاكات، وأصدرت بيانا في هذ الصدد أشارت خلاله أنّها “أبلغت السفير المالي احتجاجا شديد اللهجة على ما تكرّر في الآونة الأخيرة من أعمال إجرامية تقوم بها قوّات نظامية مالية على أرض مالي، في حق مواطنينا الأبرياء العزل”.
ويُذكر أنّ العلاقات الموريتانية المالية لم تكن في أحسن حالاتها سابقا، حيث أنّ المجلس العسكري الحاكم بيّن في عديد المناسبات عدم توافق وتناغم سياسات البلدين الجارتين، ومنها إعلان انسحابه من مجموعة دول الساحل الخمس في عام 2022، وهو ما تعتبره نواكشوط خطوة معادية لها، ذلك الى جانب تضارب المواقف بين البلدين في العديد من المواقف سواء في القضايا الإقليمية والدولية، وادّى التوتر القائم في المناطق الحدودية الى غليان أمني كبير بين الجارتين، خاصّة وأنّ مالي لم توفي بوعدها في التحقيق بشأن جرائم قتل المواطنين الموريتانيين حتى بعد فترات من رسائل التهدئة.
عودة توتر العلاقات الى المشهد بين الجارتين
حديثا عادت الى الواجهة من جديد في بداية أبريل الماضي جرائم قتل واختطاف مواطنين موريتانيين على الأراضي المالية بفعل جنود مالي، وكان لموريتانيا إلاّ أن تصدر تقارير بشأن ما وصفته بالكارثة التي تحدث على شريطها الحدودي مع جارتها مالي، حيث أنّ هذه الجرائم لم تتوقّف واستمرت بنسق متواصل، ما يؤدي الى طرح العديد من التساؤلات حول أسبابها والظروف التي تقف ورائها.
ومحاولة من دولة مالي تجنّب أي مشاكل كارثية مع جارتها موريتانيا بسبب ما يمكن ان يحدثه احتجاجها، لم تتوقّف من إجراء محادثاتها الديبلوماسية مع القادة الموريتانيين، حيث تواصل الرئيس الانتقالي في دولة مالي بالهاتف مع الرئيس الموريتاني وأرسل في 15 أبريل وفدا ديبلوماسيا وعسكريا الى نواكشوط تضمّن وزير الخارجية ووزير الدفاع.
إلاّ أنّ هذه الزيارات “لم تكن ناجحة” بحسب مصادر إعلامية، حيث لم تؤدي الى رسم خطّة أمنية ناجعة بشأن حماية الموريتانيين المقيمين في دولة مالي من الجرائم المتتالية التي تحسب موريتانيا أنّ ورائها قوّات موالية للنظام في باماكو، وكردّة فعل على ما يحصل قامت نواكشوط بمنع سكّان ماليين ممن لا تتوفّر لديهم الإقامة أو أي وثائق قانونية من الدخول إلى أراضيها، كما قام رئيس الجالية الموريتانية في مالي بترحيل الموريتانيين من القرى والمخيمات التي تقع على الشريط الحدودي بين البلدين الى بلدهم، مبرّرا ذلك بإمكانية أن يقوم الجيش المالي بعمليات أمنية وعسكرية واسعة النطاق في المنطقة الحدودية المشتركة.
وساهم ذلك في مزيد توتير الأوضاع الى ما هو أسوأ، حيث اعترض مواطنين من مالي سيارات موريتانيين احتجاجا على الإجراءات، وقاموا أيضا بعمليات اختطاف لرعايا من حافلات نقل تابعة لموريتانيين.
على خلفية ذلك قامت الدولة الموريتانية باستدعاء السفير المالي وأصدرت في الخصوص وزارة خارجيتها بيانا احتجاجيا حمّلت فيه مالي مسؤولية كل الأحداث غير القانونية التي تقع ضمن العلاقة بين البلدين، مؤكّدة أنّ ذلك لا يمكن أن يكون مقبولا بأي شكل من الأشكال.
وفي التحركات الأخيرة بين الجارتين، أرسل رئيس موريتانيا وزير الدفاع ومدير المخابرات الخارجية إلى عاصمة مالي حاملين رسالة الى رئيس الفترة الانتقالية، وظلّ محتوى الرسالة مجهولا، إلاّ أنّ وزير الدفاع الموريتاني ذكر في تصريحات للصحافة أنّ الدولتين ناقشا سبل تطوير العلاقات وتحسينها وتفادي أي توترات أخرى، مشيرا الى عمق العلاقة التاريخية بين الدولة الموريتانية والمالية وضرورة المحافظة على ثباتها والسعي الى تطويرها الى الأحسن.
كما أشار مسؤولي مالي الى أنّ هذ اللقاءات تشكّل خطوة هامّة في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في سياق وفقا لتعبيره “إقليمي يتسم حاليا بعدم الاستقرار والتهديدات الإرهابية”.
ارتفاع مؤشر الإرهاب في مالي هل يمكن أن يكون سببا في مثل هذه الحوادث أم أنّ هناك اعتبارات سياسية أخرى؟
يشير مؤشر الإرهاب العالمي، إلى أنّ مالي تتصدّر قائمة الدول الأكثر تأثرا بالإرهاب تقابلها موريتانيا التي لم تسجّل أي حادث إرهابي منذ عشر سنوات.
ويعد ذلك وفقا للمحللين سبب التوترات الحالية القائمة بين البلدين، حيث أنّ اختلاف وجهات النّظر بشأن مناطق نفوذ الجماعات الإرهابية خلق نوع من التنافر، إذ تسعى مالي لفرض رؤيتها في مواجهة الجماعات الإرهابية والتي تحيل عن كون موريتانيا تعد “بلدا يأوي المتطرفين” في حين تصرّ نواكشوط على عدم صحّة ذلك، في هذا السياق قال المحلل السياسي حسين ولد حمود: “إنّ مالي تريد ممن يحارب الإرهاب أن يتبنى رؤيتها وتصوراتها، وترى أن موريتانيا تقوم بإيواء الإرهابيين، وهو الأمر الذي نفته نواكشوط بشدة”.