الأربعاء. ديسمبر 25th, 2024

تونس-13-2-2024

شارك الدكتور منذر جرادات، المختص في الاعلام والفكر السياسي، في الملتقى الدولي حول الاستقرار السياسي في ليبيا الذي احتضنته العاصمة تونس، مبينا دور الإعلام في المساهمة في الاستقرار السياسي لاي بلد من بينها ليبيا،

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين،السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :

يا تونس الخضراء جئتك عاشقاوفي يميني لليبيا وردة وكتاب

أيُّها السيدات والسادة ،اتشرف بالوقوف أمامكم اليوم لنناقش موضوعاً حيوياً وحاسماً يتعلق بالأنظمة السياسية ودور الإعلام في تحقيق الاستقرار.

ونشكر المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية بالشراكة مع مؤسسة شمال إفريقيا لرعاية الشباب والتنمية والمنظمة الليبية الدولية للتنمية وحقوق الإنسان على هذه الدعوة الكريمة.

ان مفهوم الاستقرار ليس مجرد تحقيق توازن في السلطات الحاكمة بل هو أيضاً بناء نظم سياسية فعّالة ومستدامةوان للبعد الإعلامي دوراً أساسياً في نقل المعلومات وتشكيل وعي المواطنين ضمن كفل حرية الصحافة والتواصل الإعلامي الحر طبعا ضمن خصوصية الجتمع يسهمفي خلق بيئة تهسل التفاهم والحوار بين الحكومات والشعوب وإنّ استقرار البيئة السياسية يُعَدّ ركنا أساسياً للتنمية المستدامة والتفاعل الفعّال بين المواطنين والحكومات حيث يكتسب البعد الإعلامي دوراً حيوياً في تحقيق هذا الهدف الحضاري.

الإعلام، سواء كان تقليدياً أو رقمياً، يعتبر جسراً يسهم في بناء جسور التواصل بين مختلف الفئات في المجتمع وإن الوسائط الاجتماعية ووسائل الإعلام الحديثة توفر منصات للمشاركة المجتمعية والفاعلة وايضا لاننسى دور الإعلام في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، حيث يعد الإعلام الحر والمستقل شريكاً فعّالاً في النظم السياسية هذا ما يُعزز من تواصل المواطنين مع السلطات ويشجع على المشاركة السياسية.

على الرغم من هذه الفوائد، نواجه أيضاً تحديات كبيرة تتعلق بمصداقية المعلومات وانتشار الأخبار الزائفة والشائعات حيث يتطلب تحقيق التوازن بين حقوق حرية الصحافة وضرورة التحكم في نشر المعلومات الكاذبة، وهذا يتطلب جهوداً مستمرة لتعزيز التربية الإعلامية والوعي بين المواطنين ومحارية الاشاعة التي تعتبر اخطر ما يواجهه النظم في البعد الاعلامي للدولة .

وفي سياق مؤتمرنا اليوم، نسعى إلى استكشاف كيف يمكن للإعلام أن يساهم في تحقيق الاستقرار السياسي وايضا محاربة الشائعة ونستعرض بشكل سريع اسباب الاستقرار السياسي وناخذ المملكة الاردنية الهاشمية كمثال حييحتذى به وكيف تمكن من تجاوز التحديات التي تواجهه. سنتناول مواضيع مثل دور وسائل التواصل الاجتماعيوتأثير التحول الرقمي على السياسة والتحديات التي تطرأ نتيجة للتطورات الإعلامية.

ولكن قبل الدخول في البعد الاعلامي لابد من ان نضع ين اديكم مؤشرات الاستقرار السياسي في الأردن التي حافظت بفضل الله ثم جهود القيادة الحكيمه على استقراره سياسيا في وسط محيط ملتهب ونتطرق سريعا الى خطر الاعلام بغياب الاستقرار السياسي وكيف يصبح بيئة خصبة للاشاعة  .

ومن أهم مؤشرات الاستقرار السياسي في الأردن ما يلي:

1.      الشرعية للنظام السياسي: وهو من الدعامات الاساسية في الاستقرار السياسي، والذي يعتبر من أهم الدلائل للشرعية السياسية، أما أزمة شرعية السلطة فهي الانعكاس لأزمة الشرعية، وتعرف الشرعية السياسية على انها “تبرير السلطة الحاكمة من منطق الإرادة الجماعية”

حيث ارتكزت الشرعية السياسية للنظام السياسي الأردني في إطار تاريخي وديني والنسب الصريح للسلالة النبوية فمنذ مبايعة العشائر الأردنية للأمير عبدالله الأول ابن الحسين منذ قدومة لشرق الأردن. والتأكيد على الشرعية السياسية للنظام الملكي الأردني كنظام وراثي في أسرة الملك عبدالله الأول ابن الحسين .

2.      نمط انتقال السلطة في الدولة: حيث يوجد اختلاف في هذه العملية باختلاف نوع النظام الدستوري والأساليب الدستورية التي يتبعها، وفي حال تم عن طريق الانقلاب أو التدخل الخارجي كالتدخل العسكري فيعد هذا مؤشراً على عدم الاستقرار السياسي، ففي الأردن يظهر هذا الخيار مرتكز فقط في شكل الحكومات ( يتم تعيين رئيس الوزراء من قبل الملك حسب المادة 35 من الدستور الأردني لعام 1952) والسلطة التشريعية (المكونة من مجلس النواب ومجلس الاعيان ويتم اختيار مجلس النواب كل أربع سنوات من خلال انتخابات تشريعية (المواد 62-68 من الدستور الأردني لعام 1952). ومن هنا فإن خيار انتقال السلطة لا يمكن قياسه بشكل دقيق على غرار النظام البرلماني البريطاني، وذلك بسبب طبيعة النظام الملكي، وأن كان هنالك تغيير في شكل الحكومات والسلطة التشريعية.

3.      قوة النظام السياسي ومقدرته على حماية المجتمع وسيادة الدولة: وما يقوم به من مسؤوليات لا تتحقق إلا من خلال امتلاك العناصر المختلفة من القوة كالدفاع عن البلد في حال تعرضه لاعتداء خارجي وفي حال كان النظام السياسي يتسم بالضعف لا يستطيع صون السيادة وتحقيق الامن الداخلي، فإن النتيجة الطبيعية التبعية للنظم القوية.

حيث يظهر الأطار المؤسسي في قدرة النظام السياسي الأردني في القيام بوظائفة المختلفة و قدرة للنظام على تحقيق الحماية للمجتمع وتحقيق سيادة الدولة.        

4.      محدودية التغيير في مناصب القيادات السياسية: وتعني دور السلطة التنفيذية في بقاء القادة السياسيين على رأس أي نظام سياسي لفترة طويلة مؤشراً للاستقرار السياسي، مقروناً برضا الشعبوايضا اقتران عمر الحكومة في الاردن مع عمر مجلس النواب وهو اربعة سنوات.

5.      الاستقرار البرلماني في الدولة: فشرعية البرلمان تأخذ من الشعب أو الأفراد وفق عملية الانتخاب، ولكن في بعض الأحيان تظهر صور لعدم الاستقرار بالنسبة للبرلمان تتمثل في :

أ‌         الاستقالة أو إسقاط العضوية عن أحد أعضائه.

ب‌      حل البرلمان قبل ان يستوفي مدته القانونية .

6.      الديمقراطية وتدعيم المشاركة السياسية: وتعد مقياساً للحكم على النظام وجود الاستقرار السياسي من حيث تطبيق قواعد الديمقراطية في الحكم، وهي الحالة التي يتوافر للأفراد فيها القنوات الرسمية للتعبير عن آرائهم في القضايا الوطنية واختيار النواب والممثلين في المجالس النيابية والمحلية.

7.      غياب العنف واختفاء الحروب الأهلية والحركات الانفصالية والتمردات: ويعرف العنف السياسي “الاستخدام الفعلي للقوة المادية لإلحاق الضرر والأذى بالآخرين، وذلك لتحقيق أهداف سياسية أو أهداف اقتصادية واجتماعية لها دلالات سياسية” ومن هنا يرى الباحث أن وجود العنف السياسي مؤشر على عدم الاستقرار أما غياب العنف السياسي فهو مؤشر على وجود الاستقرار السياسي في المجتمع.

8.      الوحدة الوطنية واختفاء الولاءات التحتية (الأولية): تعد الوحدة الوطنية والولاء للدولة استقرار من الناحية السياسية وهنا نميز بين نوعين مختلفين: الأول: يتعامل مع الأقلية من منطق الاستيعاب بالقوة، والثاني: يتعامل مع الأقلية من منطق المساواة في الحقوق والواجبات، فالنموذج الأول غالباً ما ينتج عنه بروز الولاءات غير الوطنية أو ما يدعى بالولاءات التحتية، وبالتالي مطالبة بالاستقلال أو حكم ذاتي، كما حدث في العراق والسودان إما النموذج الثاني فيؤدي إلى تمتين اللُحمة الوطنية وإعلاء الهوية الوطنية على الهويات دون الوطنية  فيتميز الأردن بظهور حالة من الوحدة الوطنية والتي تعزز من خيار الاستقرار السياسي فيه.

بعد العرض السريع لاهم مؤشرات الاستقرار السياسي للاردن نذهب للبعد الاعلامي ونختص الشائعة بالذات حيث يتم استخدام الاشاعات لغايات قياس الرأي ومعرفة رد فعله ومواقفه واتجاهاته تجاه قضية ما من خلال التأثير الذي تخلقه الاشاعة في اتخاذ أو تمرير قرارات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو عسكرية، وأيضاً من أجل الحصول على معلومات صحيحة حيث يتم الترويج للشائعات بشكل مبالغ فيه بهدف وضع الطرف الآخر تحت ضغط المبالغات إلى أن يعطي الحقائق، وتستخدم الشائعات بهدف زعزعة الثقة بالشخصيات العامة وتشويه صورهم لدى العامة، كما إنها تحطم قوى التحالف بين الدول الصديقة أو المتحالفة، ومن أغراض الاشاعة أنها تستخدم لغايات اضعاف إيمان العدو بعقيدته وأفكاره ومبادئه القومية والوطنية وفي شرعية قضيته، وكذلك لإثارة الخوف والرعب والفوضى (حرب الأعصاب)، حيث تستخدم لتخويف الآمنين وبث الذعر في قلوبهم وإثارة عواطف الجماهير وبلبلة أفكارهم، وهو وسيلة من وسائل الدعاية السوداء وأداة رئيسية من أدواتها وخاصة في أوقات الحروب والأزمات، حيث يستولي على الناس الخوف والرعب وذلك من خلال المبالغة في وصف قوة العدو الجوية والبرية والبحرية .

تُوظف الاشاعة لتدمير الاقتصاد القومي، وذلك عندما تتناول المركز الاقتصادي للدولة أو عندما تستغل الظروف الاقتصادية السائدة كالبطالة ونقص السلع والمواد التموينية بقصد خلق كل ما من شأنه عرقلة سير الانتاج والتنمية الاقتصادية، وقد تتبادل الشركات التجارية والصناعية الكبرى مثل هذه الاشاعات بقصد المنافسة وتحقيق الربح.

اذا نرجع للنقطة الاولى بان تشجيع حرية الصحافة وتمكين وسائل الإعلام من أداء دورها بشكل كامل يعزز الفهم والمعرفة بين الحكومات والمواطنين حيث يُشكّل الإعلام الحرّ ركيزة أساسية في نقل المعلومات وتوجيه الرأي العام ومحاربة الشائعة ووئدها، وبذلك يُسهم في تكوين وتشكيل الرأي العام تجاه القضايا السياسية والاجتماعية و يجب أن يكون لدينا رؤية مشتركة للمستقبل، ويجب أن يتعاون الجميع لضمان تطور إعلامي يعكس الواقع بدقة ويسهم في تحقيق الاستقرار والتقدم.

أختتم مداخلتي بالتأكيد على أهمية الحوار المفتوح والبناء بين الحكومات ووسائل الإعلام، فهما يشكلان جسراً أساسياً نحو تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة.

ونشكر الاخوة في ليبيا الشقيقة والاخوة في تونس لان مثل هذه المؤتمر يعد منبرًا لتبادل الأفكار والخبرات بين مختلف الدول والثقافات و يُشكل هذا التبادل أساساً لفهم أعماق التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا ولتحديد السبل التي يمكننا من خلالها تعزيز الاستقرار السياسي بفعالية .

الدكتور منذر جرادات –  المملكة الأردنية الهاشمية

المختص في الاعلام والفكر السياسيaljaradat@hotmail.com

By Zouhour Mechergui

Journaliste