تقديم : حتى الأن لم يستيقظ جيش الاحتلال من الصدمة التي فرضتها معركة التحرير اذ ان كل الإجراءات و الخطوات التي اتخذت حتى هده اللحظة تدل على حجم الفوضى و الضعف و الإرباك والتشتت الذي تعاني منه القيادة في الكيان والتي شملت :
- المصادقة على تفعيل خيار الحرب .
تجنيد 32 لواء و اللواء يتألف من 4 الى 7 الاف جندي جزء كبير سيتجه نحو قطاع غزة و البقية لتعزيز ما يسمى بالجبهة الشمالية
- موافقة غالانت على استدعاء واسع النطاق لجنود الاحتياط و تعيين بنيامين نتنياهو العميد غال هيرش مسؤولا عن قضية المختطفين و المفقودين
- اخلاء شبه كامل لمناطق الجنوب و الشمال أي 15 الف مستوطن من غزة
- استنفار عسكري على الحدود
- تجنيد 300 الف جندي احتياط خلال 84 ساعة كما تقرر تجنيد الطلاب الجامعيين و الهيئات التدريسية في الجامعات الاسرائيلية بالاحتياط في جيش الاحتلال
- القيام بسلسلة من الهجمات الكبيرة و الغارات الجوية التي استهدفت ولا زالت تستهدف مقرات ومنازل كبار المسؤولين في غزة و مواقع عسكرية ومنازل مدنية .
- الاستعانة بحاملات الطائرات الامريكية في الهجمات و الاسلحة الثقيلة
- التركيز على التسليح العسكري الأمريكي
- مضاعفة التضييق على سكان غزة ( وقود ، طعام ماء ،كهرباء …)و منع وصول المساعدات الانسانية
- استهداف المستشفيات المدنية و قتل عدد من المسعفين والاطباء
- العمل على توفير حوالي 1000 قطعة سلاح M16 للإسرائيليين في الضفة الغربية .
- فتح 7 مركز قتالية في” كيبوتسات ” بغزة .
- استدعاء صهاينة من الخارج بموجب امر تجنيد 8 المعروف بتجنيد الاحتياط
- توجيه السكان في سديروت لتخزين الماء و الطعام
- قتل المدنيين الفلسطينيين العزل والإبادة الجماعية .
خطوات هي الأكثر وحشية حتى الان اهتزت و ارتجّت فيها تل أبيب لهول ما وقع من صدمة لم تحصل فيها أجهزة استخباراتها على معلومات تفيد بهجوم وشيك.
قوة عسكرية مدهشة ، كيف وصلت حماس ؟
لم يكن الهجوم الذي شنته القيادة العسكرية المشتركة لأغلب التنظيمات الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس مفاجئًا فقط بسبب التوقيت الذي تم اختياره بل أيضا بحجمه وتنظيمه وبقدراته العسكرية المنتشرة والتي مكنت من بين أمور أخرى من اجتياح القواعد العسكرية الإسرائيلية في وقت يترجم الخبرة الاستراتيجية لفصائل المقاومة وبلوغ درجة التنسيق بين المتفاعلات الدولية و تجدد المقاومة الفلسطينية فمع تآكل الحصانة الأميركية و كسر رمز الأحادية والطغيان الغربي ، تتآكل الحصانة الإسرائيلية معه و هو ما وجدت فيه المقاومة منطلقا جديدا لبناء وزن للفصائل الفلسطينية والخروج من محيطها الضيق رغم تاريخ المقاومة الى محيط جغرافي أوسع و كسب تأييد دولي اوسع و شهرة قتالية اوسع و هذا يدل حتما على انه قد تم تركيز استراتيجية قاعدية جديدة لحماس و الفصائل الفلسطينية المقاومة سواء من حيث السياسة المتبعة كالتمويه و المراوغة و التشتيت و المباغتة … و التكوين و التجنيد و التسليح و تنفيذ العمليات و التنسيق الخارجي و التركيز العسكري على الأهداف المطلوبة …
مستوطنة وهمية للتدريب.. خطة خدعت بها حماس إسرائيل : لقد انتهجت حماس خطة تعتمد على التظاهر بضبط النفس وخفض التصعيد قبل العملية بأشهر في حين اعتمدت على السرية التامة والتدريب على أعلى المستويات خلال الاستعداد للعملية ذلك أنها حماس بنت ما يشبه مستوطنة إسرائيلية وهمية في غزة للتدريب على الإنزال العسكري
- من أين يأتي السلاح؟
هذا السؤال هو الأهم في الصراع على الإطلاق، ولو عُرفت إجابته بشكل مؤكد، لأوشك الصراع على الانتهاء، لكن الأمر الواقع يرجح بعض التكهنات والتي تبقى دوما في صيغة تحليلية لا أكثر : سلاح حماس بدأ بمجرد أسلحة خفيفة ثم قامت بتطوير بعض ورش الحدادة لصنع الذخيرة، وحتى هذه الورش كانت إسرائيل تتبعها وتقوم بقصفها بشكل دوري.
لكن أول صاروخ تم إطلاقة من غزة باتجاه إسرائيل كان في عام 2006، وكان من طراز كاتيوشا، “روسي الصنع” في أعقاب ذلك، وبعد عام 2007 تعرض قطاع غزة لحصار تام وأصبح دخول أي أسلحة أمرا شديد الصعوبة فاعتمدت الحركة على تطوير وتصنيع أسلحتها وعلى رأسها صواريخ القسام بأنواعها.
إيران تدعم الحركة عبر حليفها في لبنان “حزب الله“ وحزب الله اقوى من حماس ، في مرحلة ما كانت الصواريخ ضعيفة نسبيا حتى أن بعض السياسيين تهكموا عليها وسموها “الصواريخ العبثية” : في وقت لاحق من العام 2007، برز مصطلح جديد فرضته الحركة على الساحة الدولية وهو حرب الأنفاق
- “حرب الأنفاق” : نجحت حماس في سنوات قليلة، بصنع شبكة من الأنفاق المعقدة، والممتدة عبر الحدود بين القطاع ومصر، والأراضي المحتلة، حتى أنها كانت تستخدمها في مفاجأة الجنود الإسرائيليين خلال الاجتياح البري الذي جرى عام 2014 بحيث كان مقاتلوا الحركة يظهرون فجأة من العدم ويطلقون الرصاص ثم يختفون كما ظهروا “حرب الأشباح” هذه فرضت على إسرائيل محاولة تدمير هذه الشبكة بأسرع وقت ممكن لكن الأمر كان أشد صعوبة مما تخيلت تل أبيب.
- “حرب الأشباح ” على مدار السنوات التالية أصبحت صواريخ حماس أكثر قوة وأبعد مدى وأكثر تأثيرا، فلم تعد الصواريخ تقتصر على الوصول إلى البلدات الجنوبية الإسرائيلية بل وصلت إلى تل أبيب وبئر السبع وحيفا وأصبحت الصواريخ تصل إلى مطارات إسرائيل الرئيسية وتستطيع منع حركة الملاحة وبإمكان حماس استخدام صواريخها متى شاءت ما يدفع إسرائيل إلى إغلاق مدن كاملة وإجبار سكانها على الفرار إلى الملاجئ وإيقاف الحياة بشكل كامل هذه التبعات الاقتصادية في حد ذاتها تمثل ضغطا على إسرائيل لا يمكنها تحمله لفترة طويلة وخلال الاشتباكات الجارية شاهد الجميع إمكانات جديدة للحركة فقد استخدمت الطائرات الشراعية وطائرات مختلفة للاستطلاع والهجوم لعل اهمها طائرات الشهيد “الزواري” التونسي ، كما طوعت أليات مدنية لاستخدامات عسكرية شكلت مفاجأة كبيرة .
- “حماس خبير اقليمي دولي مسلح “
لا احد يعلم المحزون العسكري لحماس الجانب الأكثر أهمية، هو الصواريخ المصنعة محلياً حيث توجد قدرات تصنيع نشيطة ومتطورة نسبيا، داخل قطاع غزة نفسه كما أن الخبرة والمعرفة الإيرانية لعبت دوراً مهما في بناء هذه الصناعة، وبالتالي كانت مواقع تصنيع وتخزين الأسلحة من بين الأهداف الرئيسية للقصف الإسرائيلي.
وتمتلك حماس مخزوناً كبيراً من الصواريخ قصيرة المدى مثل القسام والقدس 101 كما أن لديها نظام صواريخ غراد وصاروخ سجيل 55 (ويصل مداه حتى 55 كيلومترا) و الهاون كما لها مجموعة متنوعة من الأنظمة الصاروخية طويلة المدى مثل إم – 75 والفجر و160 و صواريخ إم -302 إس التي يبلغ مداها 200 كيلومتر، لذلك من الواضح أن لدى حماس أسلحة يمكنها استهداف القدس وتل أبيب على حد سواء، وتهديد الشريط الساحلي الذي يضم أكبر كثافة سكانية في إسرائيل والبنية التحتية الحيوية بأكملها وفي النهاية بين أول صاروخ كاتيوشا، وأحدث طائرة استطلاع مسيرة، تبقى قدرات حماس العسكرية مثل جبل الجليد، ما يظهر منه أقل بكثير مما خفي.
خلاصة ،
لقد وحّدت هذه العمليّة كل الفلسطينيين، وأثارت دعماً واسع النطاق في العالم العربي، رُغم سعي قادته إلى التطبيع مع إسرائيل والتضحية بفلسطين فحتى محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية التي يعود وجودها بالأساس إلى تعاونها الأمني مع الجيش الإسرائيلي شعُر بنفسه مضطرّاً إلى الإعلان عن “حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال” وعن “ضرورة توفير الحماية لأبناء شعبنا. وكما ورد في المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في عام 1789، فإن “مقاومة القمع” هي حق أساسي وللفلسطينيين حق المطالبة به.
إن الخوف الذي يشعر به الإسرائيليون الآن ، يترجم الكارثة التي اصابة العمق الصهيوني الذي لطالما عبث ،و الاستهزاء بصورته في العالم علي يد فصائل المقاومة الفلسطينية و الشعب الفلسطيني سيكون لهذه العملية تداعيات على الوضع السياسي والجيوسياسي الإقليمي بطريقة يصعب تقييمها في الوقت الحالي. لكن ما تؤكده الأحداث الجارية مرة أخرى، هو أن الاحتلال يطلق العنان دائما لمقاومة يتحمل المحتل وحده مسؤوليتها من هنا يصبح حماس أنموذجا عسكريا عالميا واعدا بل ومطلوب من حيث التكوين التجنيد و التصنيع و الهجوم و المعرفة الاستراتيجية بالمتفاعلات الدولية خاصة متى تكون ايران حليفة لروسيا على الاقل في المختبر الحربي. .