الخميس. ديسمبر 26th, 2024

مشاركة الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، في ندوة بعنوان “بوابة الخروج: كيف تتعامل دول المغرب العربي مع أزماتها الممتدة والمستجدة؟”.

المصدر: مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة 

نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 23 أغسطس 2023، جلسة استماع بعنوان “بوابة الخروج: كيف تتعامل دول المغرب العربي مع أزماتها الممتدة والمستجدة؟”. واستضاف المركز الدكتورة بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عددٌ من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ محمد الفقي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والدكتور هيثم عمران، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ علي عاطف، والأستاذة نادين المهدي.

أزمات معقدة

تطرقت “قعلول” إلى عدد من القضايا والأزمات التي تواجه بعض دول المغرب العربي، سواء على المستوى الداخلي، أو في العلاقات البينية، كالتالي:

1- أزمات مركّبة ومتداخلة في تونس: دولة تونس الآن في مهب الريح، وتواجه أزمات كبيرة على جميع المستويات، لعل أبرزها أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية، خاصة أن الشعب التونسي اعتاد على نوع من الرفاهية، ولكن جاءت العشرية السوداء ضربت هذه الرفاهية، والآن تواجه تونس إرثاً ثقيلاً جراء هذه العشرية.

ولكن لا بد من تشريح الأزمة التي تواجه تونس، وهي في الأساس اجتماعية بامتياز، فبدون إصلاح المرجعية الاجتماعية لا يمكن التحدث عن الاقتصاد والميزانيات، حتى مع الحصول على قروض كثيرة؛ إذ إن المجتمع غير منظم، وهذا بسبب العشرية السوداء، التي ضربت المنظومة الاجتماعية.

وأصبحت تونس تعاني من منظومة فساد بامتياز، والإصلاح الحقيقي يكون من خلال الصراع مع منظومة فساد داخل الإدارة وبين المسؤولين، وذلك كان سبباً في الأزمة الاقتصادية والسياسية، كما أن ثمة بُعداً للأزمة في تونس، يتعلق بعدم الثقة بين الشعب والدولة، فهناك قطاع من الشعب لا يصدق وعود الرئيس التونسي، وقطاع آخر يصدق.

وهناك من يتنبأ بأن يكون هناك صراع واحتجاجات كبيرة في تونس، ويوجد عنصر مخيف قد يكون مؤثراً على مستوى العنف، وهو الهجرة غير الشرعية، فالمجموعات يُقدر عددها بـ20 ألفاً، التي دخلت من دول الساحل والصحراء على أساس أن تونس “ترانزيت” لأوروبا، تسلل بينهم عناصر من مجموعات إرهابية مثل بوكو حرام وداعش.

2- نُذُر حرب كبيرة في ليبيا: تواجه ليبيا الآن حالة اللا حرب واللا سلم، الليبيون انقسموا إلى ثلاثة أو أربعة اتجاهات، وهذا بفعل فاعل، وإن كانوا جاهزين إلى الانقسام، وهناك أطراف إقليمية ودولية دفعت إلى تعميق هذا الانقسام للدخول في صراعات مستمرة منذ سنوات.

ويبدو أن ليبيا ستدخل إلى حرب كبيرة، ربما ستكون الانطلاقة في الغرب الليبي، ولكن الحرب الفاصلة وأكبرها ستكون في الجنوب الليبي، وهناك سيكون التحشيد كبيراً جداً، خاصة في ظل انفتاح الحدود مع السودان وتشاد، وكلاهما تشهدان أزمات وتوترات كبيرة، سواء السودان بالمواجهات العسكرية، أو تشاد التي أشار وزير دفاعها إلى الاستعداد للانقلاب لو تدخلت تشاد عسكرياً في النيجر.

ليبيا الآن تعيش حالة حرب الكل ضد الكل، ولا أتوقع أن تذهب إلى الانتخابات كما يقول المبعوث الأممي، وهو لا يمتلك مبادرة فعلية، فالكل يتحارب من أجل البقاء في السلطة. وبالنسبة لأمريكا، فلن تترك ليبيا، فهي ترغب في إخراج مجموعة فاغنر الروسية، والبترول الليبي، ولا تجد أزمة فيمن سيحكم البلاد. في المقابل، روسيا لن تترك ليبيا، إضافةً إلى أن الدول الإقليمية تتصارع في ليبيا.

3- التفاهمات بين تونس والجزائر: هناك مصالح مشتركة كبيرة بين تونس والجزائر، ويبقى أن العلاقات بين الدولتين تاريخية، فلا ترغب الجزائر في مشكلات على حدودها مع تونس، والأخيرة لا يمكن أن تدخل في أزمات مع الجزائر مهما كان، فالعمق الاستراتيجي والأمني للجزائر هي تونس، وليس العكس، كما أن العمق الاستراتيجي لتونس هي ليبيا.

وفي ظلّ ما يشهده العالم من تقلبات وتحولات شديدة، فإن العلاقات بين الجزائر وتونس متميزة للغاية، وهناك ترابط بين تونس والجزائر، في ظل الاستقطاب الدولي الكبير.

4- التوترات بين الجزائر والمغرب: العلاقات بين الجزائر والمغرب إشكالية كبيرة، وفي حين أن الشعبين في البلدين متفاهمان وبينهما علاقات نسب، لكنّ الإشكالية اليوم هي أزمة العلاقات السياسية بين الحكومتين، خاصةً أن منطلقها قضية الصحراء الغربية، فالجزائر تؤمن باستقلال الصحراء، والمغرب ترى أنها جزء وقطعة من أراضيها، وهذا صراع كبير وممتد، وأحد انعكاسات الاستعمار، ووُجد كنقطة للفتنة بعد انتهاء الاستعمار العسكري.

واكتسبت العلاقات بين الدولتين بُعداً آخر للتوترات، عقب تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وهي خطوة ترفضها الجزائر رفضاً قطعياً، وتعتبرها تهديداً لأمنها القومي. ولكن بشكل عام، لا بد من تجاوز الأزمة، مع أن عمق الخلاف أصبح كبيراً بعد التطبيع.

5- التقارب الموريتاني مع فرنسا: كان الاعتقاد أن موريتانيا ستنحاز إلى الشمال الأفريقي العربي، ولكنها بدلاً من ذلك انحازت لفرنسا، ولا تُعطي فرصة للنفوذ الفرنسي، ولكن يبدو أن الاكتشافات الكبيرة لمناجم الذهب، وأيضاً اكتشافات الغاز، أثار لعاب فرنسا، وبفعل هذا التقارب الموريتاني الفرنسي لا نتمنى أن يكون هناك انقلاب عسكري هناك، مع توالي الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينافاسو وأخيراً النيجر.

تحولات رئيسية

وتُحدد “قعلول” عدداً من التحولات الرئيسية التي تتأثر بها دول المغرب العربي، بفعل الجوار الجغرافي وتحديداً في منطقة الساحل والصحراء، وأبرز تلك التحولات:

1- تصاعد الوعي الشبابي بأفريقيا: يمكن ملاحظة الوعي الشبابي في الدول الأفريقية خلال السنوات القليلة الفائتة، بما يمكن تسميته “حرب التحرر” ضد الاستعمار بأشكاله الجديدة، وتحديداً النفوذ الفرنسي، ولعل الانقلابات التي شهدها عدد من الدول الأفريقية مثال على هذا الوعي، خاصة أن من قاد تلك الانقلابات وتحديداً في مالي وبوركينا من الشباب، ورتبهم صغيرة ليسوا جنرالات.

2- تراجع كبير للنفوذ الفرنسي في أفريقيا: اتصالاً بارتفاع الوعي لدى الشباب، فإن النفوذ الفرنسي متراجع في أفريقيا، خاصة أن فرنسا دولة استعمارية بامتياز، نفوذها موجود في منطقة الساحل والصحراء، ولكن شهد عدد من الدول مظاهرات واحتجاجات لمواجهة هذا النفوذ الذي يستهدف ثروات تلك الدول.

وهناك تغلغل ثقافي فرنسي، فهناك دول تتحدث الفرنسية، حتى إنها نسيت لغتها الأصلية، ولكن الشعوب استفاقت، وكانت مالي هي البداية لسحب البساط من فرنسا، وتحديداً عقب عملية برخان التي قدمت دعماً للإرهاب وليس لمكافحة الإرهاب، مع الإشارات إلى أن السلاح الفرنسي كان يمنح لتنظيم القاعدة، وعقب 9 سنوات في مالي لم يتمكنوا من القضاء على الإرهاب.

وفي النيجر كان محمد بازوم ابن فرنسا المدلل، وما حدث يعكس الانحدار في النفوذ الفرنسي في أفريقيا، خاصة مع رفض لهذا النفوذ من قبل الجزائر، التي ترفض التدخل العسكري في النيجر، وتونس محايدة، وتتابع بحذر شديد ما يحدث في النيجر، نظراً لأهميتها رغم أنها ليست دولة جوار جغرافي.

3- صعود الدور الروسي الصيني: يمكن القول إن التعاون الروسي الصيني هو الذي قاد عمليات التحرر في الدول الأفريقية من النفوذ الفرنسي، وهذا ليس استبدال استعمار روسي-صيني باستعمار فرنسي، خاصة أن تاريخ الدولتين ليس استعمارياً.

الدور الصيني كبير للغاية على المستوى الاقتصادي، وتمكنت من التغلغل داخل دول القارة الأفريقية، خاصة الدول الفرانكفونية، التي كانت موالية لفرنسا، ولكن الفارق أن الصين تتحدث عن مبدأ أن يربح الكل.

وتقدم روسيا والصين نموذجاً يختلف عن النموذج الغربي، من خلال احترام الآخر، والمكاسب المتبادلة، وتقاسم الأرباح. تقدمان نفسيهما على أنهما شريكان للدول الأفريقية، والرئيسان الروسي والصيني تحدثا عن ذلك.

وعلى مستوى أزمة النيجر بشكل خاص، فالصين ستكون لها كلمة كبيرة، إذ إن لها مصالح اقتصادية، وتمتلك أكبر مصنعين لليورانيوم هناك.

4- مناطق التركيز الأمريكية بأفريقيا: الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها تعويض تراجع النفوذ الفرنسي وملء هذا الفراغ، سواء على مستوى النيجر أو غيرها من الدول، إذ إنها حددت رؤيتها بأنها لا يمكنها التدخل في دول الساحل والصحراء، وأن فرنسا هي المخولة بذلك، في ضوء انتشار قواتها في هذه الدول، ولكن منطقة التركيز الرئيسية لأمريكا هي ليبيا.

وبشكلٍ عام، فإن ثمة تراجعاً للدور الأمريكي، إذ إنها وصلت إلى ذروتها، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وانكماش روسيا على ذاتها، وعلى ما يبدو فإن التحولات الدولية تشير إلى نهاية “الشرطي العالمي”، في إشارة لأمريكا، ومن ورائها الدول الغربية، خاصة أن الكعكة كانت مقسمة بين أمريكا والدول الأوروبية، وبينهم فرنسا.

قطب جديد

وتدعو “قعلول” إلى تشكيل قطب جديد في النظام الدولي يتكون من دول شمال أفريقيا، في محاولة لاستغلال الفرصة التاريخية، من أجل حرب الحرية والتحرر، وتتعاون الدول العربية لتشكيل قطب جديد، كما يقول الرئيس الروسي، الذي يدعو إلى عالم متعدد الأقطاب.

وترى أن هذا القطب العربي، وبالأخص الشمال أفريقي، يمكن أن يكون فاعلاً وقادراً على إحداث توازن على المستوى الدولي، بصورة تؤدي إلى تحييد دول الشمال الأفريقي من الصراعات الدولية وتأثيراتها على الدول العربية في أفريقيا.

By Zouhour Mechergui

Journaliste