الخميس. مايو 16th, 2024

الدكتورة بدرة قعلول: رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس

تقع التشاد بين المطرقة والسندان بين واقعها الهش اللمضطرب وبين ما تشهده الساحة السودانية من اضطرابات مسلحة يمكن أن تمتد اليها وخاصة أن الحركات المعرضة اليوم في التشاد تترصد في الفرصة للعودة للنزاع المسلح مع السلطة القائمة.

 ولعل هذا ما دفع بالرئيس التشادي، محمد إدريس ديبي إتنو، إلى التحرك على أكثر من محور إقليمي ودولي، كان من أهمها الزيارة التي قام بها إلى الإمارات في 14 جوان 2023 التي تم من خلالها توقيع عدد من الاتفاقيات، منها ما يخص المجال العسكري والاقتصادي، وقرض من صندوق أبو ظبي للتنمية، فضلاً عما يستهدف منها مجال الطاقة، وغيرها،والتشاد تدرك مدى تأثير الامارات في الميدان السوداني والمشهد السوداني بصيفة عامة.

ويبدو القلق التشادي من الصراع في السودان من خلال العمل أيضا على تعزيز التعاون مع فرنسا والولايات المتحدة لضمان عدم تمدد هذا الصراع، إضافةً إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، بروابط اجتماعية وثقافية تتمثل في التمدد القبلي، حيث تتواجد العديد من القبائل المشتركة بين هذه الدول، خاصةً في المثلث الحدودي بينها.

ومن أهم تداعيات الصراع في السودان على التشاد النقاط التالية:

  1. الاستقرار السياسي في الداخل التشادي: حيث إن السودان له دور مهم ومؤثر في استقرار أو عدم استقرار الوضع السياسي في تشاد، فأغلب حركات التمرد التشادية التي وصلت إلى الحكم أو تلك التي لم تنجح بالوصول إلى الحكم، كانت تنطلق من السودان، وخاصة من إقليم دارفور، إذ كان الإقليم يُمثل المأوى بالنسبة للحركات المتمردة، خاصة المسلحة.فالرئيس السابق لتشاد، إدريس ديبي، قبل توليه السلطة عبر انقلاب عسكري، في ديسمبر 1990، كان يتخذ من دارفور هو ومليشياته قاعدة خلفية، وبعد وفاته عام 2021 تولى مجلسٌ عسكري بقيادة ابنه محمد ديبي السلطة في تشاد. ولأن الأب والابن من عرقية الزغاوة، التي استمرت في الحكم أكثر من 30 عاماً؛ فإن القبائل العربية في الداخل التشادي، التي لها امتدادات في دارفور، مثل القرعان والفولاني وغيرهما، قد ترغب في إنهاء حكم هذه القبائل، وبالتالي يتبدى بوضوح تأثير مسارات الصراع السوداني على الوضع في تشاد، خاصة أن “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، ينتمي إلى قبائل الرزيقات، إحدى أكبر القبائل العربية الممتدة عبر الحدود بين دارفور وكردفان في السودان، وبين شرق تشاد.
  2. تنامي الأزمة الاقتصادية: التشاد تعتمد على واردات معظم السلع، من المواد الخام والمنتجات الصناعية والمواد الغذائية، من موانئ رئيسية هي ميناء بورتسودان في السودان، إضافة إلى ميناء دوالا في الكاميرون، بما يجعل لإغلاق الحدود مع السودان، منذ بداية الصراع المسلح، تأثير كبير على الداخل التشادي حيث ارتفاع أسعار السلع والخدمات.مثل هذا التأثير يبدو أكثر في المقاطعات الشرقية لتشاد، التي تتأثر بشكل كبير بما يحدث في السودان، وهو ما يُمكن أن يتسبب في أزمة اقتصادية تتنامى مؤشراتها في الوقت الراهن، باعتبار أن تشاد “دولة حبيسة” في منطقة الساحل الأفريقي.
  3. تصاعد الأزمة الإنسانية: حيث إن الصراع العسكري في السودان، وفي الخرطوم خصوصا، ساهم في فرار نحو 90 ألف لاجئ من السودان إلى تشاد، بينهم قرابة 12500 تشادي كانوا يعيشون في السودان قبل اندلاع الصراع العسكري الحالي، وذلك بحسب تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في منتصف ماي الماضي، ولعل هذا ما دفع نائب المفوض السامي لشؤون اللاجئين، رؤوف مازو، إلى الوعد بتقديم المساعدة للاجئين والتشاديين، خلال لقائه مع الرئيس ديبي، في 22 ماي الماضي.

ثلاث سيناريوهات لتداعيات صراع السوداع على التشاد

السيناريو الأول: تحوّل تشاد إلى منطقة صراع دولي

 إضافة إلى المشاورات التي أجراها رئيس المجلس الانتقالي العسكري في تشاد، محمد ديبي، مع الحكومة الفرنسية وطالب فيها بضرورة تكثيف الطلعات الجوية على الحدود الفاصلة بين تشاد والسودان، فإن هناك قلقا أمريكيا متزايدا من تحركات مجموعة “فاغنر” الروسية، خاصة أن هذه التحركات أسفرت عن استقطاب فاغنر لعناصر من المعارضة التشادية، للانضمام إلى معسكر تابع لها في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهو ما يعني أن ثمة احتمالاً لأن تقوم فاغنر بدعم تمرد محتمل من جانب المعارضة المسلحة ضد الحكومة التشادية.

وإذا كانت المشاورات التي أجراها ديبي مع الحكومة الفرنسية قد أسفرت عن تعزيز فرنسا وجودها في تشاد، حيث حصلت باريس على موافقة المجلس العسكري الحاكم بالسماح لها بإنشاء قواعد عسكرية جديدة داخل تشاد، من حيث كونها الداعم الرئيسي لحكم ديبي، فإن تعزيز السلطات التشادية علاقاتها مع الولايات المتحدة، على مستوى التنسيق الاستخباراتي، يمكن أن يساهم في تحويل تشاد إلى منطقة صراع دولي، على الأقل من منظور “الاحتكاك” المحتمل بين عناصر فاغنر الروسية، التي تتمدد في الداخل السوداني، وفي أفريقيا الوسطى، مع القوات الفرنسية المتواجدة في تشاد.

السيناريو الثاني: التخوف من اشتعال الصراع في دارفور

 حيث من المعروف انتماء حميدتي إلى قبيلة الرزيقات العربية، التي لها امتدادات داخل تشاد، وهي القبائل التي على خلاف واضح مع قبائل الزغاوة، التي ينتمي إليها الرئيس التشادي الحالي. أيضاً هناك ارتباط قوي للجيش السوداني مع القادة السابقين لقبائل الزغاوة في دارفور، ومن بينهم مني أركو ميناوي، حاكم إقليم دارفور، وزعيم أكبر فصيل في جيش تحرير السودان، والقيادي بإعلان الحرية والتغيير. ومن ثم فإن مسار الصراع العسكري بين الدعم السريع والجيش السوداني، واحتمالات امتداد الصراع إلى دارفور، سوف يُلقي بظلال سلبية على الداخل التشادي، سياسيا وعسكريا. والملاحظ أن احتمال امتداد الصراع السوداني إلى دارفور، سوف يُساهم أيضاً في تحول المثلث الحدودي بين تشاد والسودان وأفريقيا الوسطى، الذي يُمثل إحدى أبرز بؤر التداخل العرقي والقبلي بين الدول الثلاث، إلى منطقة صراع إقليمي، خاصة أن هذا المثلث يشمل قبائل كبرى بينها تاريخ من الاختلافات، بين العنصر العربي فيها والعنصر الأفريقي، مثل الرونقا والزغاوة والتاما والقرعان والمساليت. وغيرها؛ وهو ما يجعل الصراع السوداني مصدر قلق كبير بالنسبة إلى الداخل التشادي، وكذلك بالنسبة إلى أفريقيا الوسطى، في ظل الأوضاع السياسية والأمنية الهشة في كلا الدولتين.

السيناريو الثالث: القلق من تفاقم عدم الاستقرار الأمني

 ففي ظل الظروف الأمنية غير المستقرة بالأصل في الداخل التشادي، يبدو القلق من احتمالات متعددة،  منها ما يتعلق بأن يؤدي الصراع في السودان، وتدفق الكثير من المقاتلين والأسلحة إلى داخل تشاد، في تفاقم الأوضاع الأمنية، خاصة من المعارضة المسلحة، ومنها أيضاً احتمال انخراط بعض المجموعات التشادية العرقية والقبلية في الصراع السوداني، لمساندة الحلفاء الإقليميين، من نفس العرقيات والقبائل، وهو ما يعني التشابك في الصراع وامتداده إلى الداخل التشادي.

بل إن مثل هذه الاحتمالات يزداد تحققها في المستقبل القريب، على وقع الاحتمال الأهم، وهو توجه المجلس العسكري الحاكم إلى تمديد المرحلة الانتقالية، ففي هذه الحال سوف تعمد أحزاب المعارضة السياسية إلى العودة لتنظيم احتجاجات واسعة ضد المجلس العسكري، بما يُنذر باتساع نطاق التأزم في المشهد التشادي الداخلي، ومع التأزم تحاول حركات المعارضة المسلحة تكرار هجماتها في داخل تشاد، ومحاولة التخلص من نظام ديبي والمجلس العسكري الحاكم.

الخلاصة:

إن عدم حسم المنافسة القبلية طويلة الأمد على الحدود المشتركة بين السودان وتشاد، خاصة في أبعادها العربية والأفريقية، لا بد من أن يؤدي إلى “ارتدادات مستقبلية” سلبية على الداخل التشادي، ولعل ذلك نفسه ما يدفع المجلس العسكري في نجامينا إلى الحفاظ على “توازن حذر”، في الموقف من طرفي الصراع السوداني، ومحاولة التقارب مع عدد من القوى الدولية والإقليمية والعربية، لتحجيم الصراع السوداني، والحيلولة دون امتداده إلى داخل البلاد.

By admin