الأثنين. ديسمبر 23rd, 2024

اعداد صبرين العجرودي: قسم البحوث والدراسات السياسية والعلاقات الدولية

تُصنّف افغانسان من بين الدول الافقر في العالم،قبل وصول طالبان الى الحكم كانت أنظمة الرعاية الصحية والنظام الغذائي وغيرها من الانظمة الاجتماعية الاخرى تعتمد على الدعم الخارجي، لكن مع ترك الولايات الامريكية المتحدة المجال للحكم الطالباني لاحت ازمة انسانية كبرى في افغانستان خاصّة وقد كان نصف الافغان يعتمدون على المساعدات الخارجية للحصول الاغذية والخدمات الصحية، الان مع العقوبات المسلّطة لمواجهة الارهاب توجد افغانستان على حافة الهاوية .

مجاعة في افغانستان

تُشرف أفغانستان على أزمة انسانية عميقة، وهو ما جعل “هيومنرايتسووتش” (HumanRights Watch) اكبر منظمة معنيّة بالدفاع عن حقوق الانسان تطلق صيحات استغاثة للمجتمع الدولي بما في ذك الامم المتحدة  كما تدعو المؤسسات المالية الدولية ان تلتفت الى الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، تفاديا لانتشار المجاعة اكثر في المنطقة.

خلّفت الحرب في أفغانستان خلال العشرين عاما الماضية عددا كبيرا من الضحايا، إذ أشار الباحثون في “مشروع تكاليف الحرب” في معهد واتسون (Watson Institute) للشؤون العامة والدولية التابع لجامعة براون الامريكية الى أنّ عدد القتلى قّدّر بما يقارب 176 ألف شخص بينهم 46 ألف من المدنيين، وهي ارقام تعبّر عن مدى تأزم الوضع في افغانستان إبّان الحرب.

لكن ذلك لا يضاهي شيئا امام توقّعات منظّمة الصحة العالمية، التي ترى أن مليون طفل أعمارهم لم تتجاوز الخمسة سنوات مهدّدون بالموت جوعا خلال شتاء العام المقبل، وانّ 2.2 مليون شخص آخر سيكونون عُرضة لسوء التغذية الحاد، إذ لم يتمّ النّظر الى الوضع بعين جادّة.

في بداية الشهر الحالي، شدّدت مفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان ان الوضع كارثي فيما يتعلّق بالمجاعة في افغانستان وأنّ 23 مليون شخص من الافغانيين يعانون الجوع الشديد (نسبة 55% من جملة السكان).

وقد أشار أيضا برنامج الامن الغذائي الى انّ تفاقم أزمة الجوع سيزيد من احتمال ارتفاع عدد الوفيات على نطاق كبير خلال الاشهر القادمة، كما أنّ الوكالة الأممية بحاجة الى 220 مليون دولار شهريا في العام المقبل حتى تتمكن من توزيع مساعدات غذائية ونقدية على اكثر من 23 مليون أفغاني.

واشارت مصادر إعلامية الى أنّ الكثير من العائلات في افغانستان تجاهد من أجل الحصول على الغذاء من خلال بيع ممتلكاتها، في حين أنّ الكثير منهم لجأوا الى النزوح والفرار من البلاد.

كما لم تتمكّن المساعدات الخارجية من سدّ الفجوة الكبيرة التي خلفتها الازمة الحالية في البلاد، رغم عدم تقاضي الموظفين الحكوميين لرواتبهم منذ اشهر عدّة، إذ اشار”جون سيفتون”  (JhonSifton)الى أن رغم الكم الهائل من المساعدات الا انها عجزت عن تلبية كل الاحتياجات، لذلك فإنه يجب على جميع الاطراف التي تسلّط عقوبات وقيود  والتي ساهمت في تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في افغانستان كالمنظمات الدولية والمؤسسات الدولية أن تعيد النظر العاجل في سياسة العقوبات لتجنّب الكارثة الانسانية المتوقعة.

وضع النساء والاطفال

تفرض طالبان قيودا عديدة غلى المرأة الافغانية، إذ يُمنع عليها العمل في عديد الوظائف دون وضع اعتبار للعائلات التي تعتبر النساء العائل الوحيد لديهم، وحتى في البعض منها الحكومية التي يُسمح لها بالعمل فيها، تقيّد طالبان تحركاتهم، فمثلا لا تسمح لهم بالانتقال بمفردهم الى العمل دون ذكور، مما يعيق الكثير منهن  الذهاب حتى للأعمال المسموح لهم بها.

يشكّل عدد الشباب خارج فصول الدراسة 4.2 مليون منهم 60% فتيات، فرغم سماح طالبان مؤخرا بتعليم الفتيات بعد فرضها سابقا عدم ذهابهم الى مقاعد الدراسة، إلا أنّ عدد الاناث المزاولات للتعليم انخفض بقدر كبير، ويعود ذلك لمنع طالبان  تلقي تعليمهم من الجنسين أي لا يسمحُ لتعليم الاناث إلا من المعلمات الذين يواجهن في الكثير من الاحيان مشاكل في التنقل بسبب عدم وجود مرافق من الذكور.

كمايلجا الكثير من العائلات الافغانية الي بيع الفتيات مقابل الطعاموالمال تحت مسمى الزواج، اما الفتيان فيقع تجنيدهم من قبل داعش خراسان، وقد شكّل الاطفال عموما النسبة الاكبر من عدد القتلى والجرحى جرّاء العمليات الارهابية.

العقوبات الموجهة على افغانستان تمثل سببا هامّا من أسباب الازمة التي تعيشها الان

تطرح مسألة العقوبات المسلّطة على افغانستان الكثير من القضايا، فمن ناحية تهدف العقوبات الدولية الى الضغط على طالبان خاصّة فيما يتعلّق بحقوق الانسان حتى تتفادى طالبان سياساتها واساليبها القديمة خصوصا فيما يتعلّق بفئة النساء والاطفال، من جهة اخرى احتدم النقاش بخصوص تأثيرات هذه العقوبات وتداعياتها على الوضع في افغانستان وقد شدّدت العديد من منظّمات حقوق الانسان بأنه يجب الحرص على عدم تسليط قيود تزيد من سوء الاوضاع الانسانية في أفغانستان، أي ضمان وصول المساعدات  وكافّة التمويلات الانسانية دون عراقيل سياسية.

  • فيما يخص العقوبات المسلطة على افغانستان حاليا:
  • تجمّد الولايات المتحدة الامريكية ما يقارب 9.4 مليار دولار من احتياطات الحكومة الافغانية في البنوك الامريكية، ونظرا في ان طالبان تتصدّر قائمة أمريكا للإرهاب فإن ذلك عرقل تقريبا كافّة علاقاتها الخارجية، نظرا في أن أي رابط بها يعدُّ جريمة.
  • فيما يتعلّقبالدعم المالي للمشاريع التنموية، انقطعت كلّ من منظّمة حلف الشمال الاطلسي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والكثير من المنظّمات الاخرى الغير حكومية والبنوك عن تقديم المساعدات وكافّة أشكال الدعم الى افغانستان، كما أوقفت كل الاطراف الاخرى خدمات التحويلات المالية وانطلقت اخرى في التقليص منها شيئا فشيئا.
  • منذ إصدار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 1267 في اكتوبر 1999 المتعلّق بتنظيم القاعدة وحركة طالبان وكل العناصر التي تربطها علاقات بها سواءَ أفراد وكيانات، فرضت الامم المتحدة عقوبات على طالبان ، وبموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة يقتضي على كل أعضاء الامم المتحدة ( بما في ذلك كل الدول الاعضاء) ، وقد نصت هذه العقوبات على تجميد الاصول المالية لكل الافراد والكيانات التي تنتمي الى تنظيم القاعدة وحركة طالبان او واحدة منه، كما نصت على منع هذه العناصر من دخول أراضيها واقاليمها او العبور من خلالها، ووقف اي تزويد أو بيع أو نقل للأسلحة والمعدات العسكرية للأطراف المذكورة في القائمة المعدة للغرض أعلاه سواءَ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وفي حال عدم التزام الاعضاء ببند من بنود الفصل السابع ستُفرض عليها عقوبات، وتُعنى “لجنة مجلس الامن” بتطبيق جزاءات هذا القرار.
  • في الفترة الموالية لوفاة زعيم القاعدة (اسامة بن لادن)، تمّ إقرار القرار رقم 1988 لعام 2011 حيث تمّ تخصيصه فقط للأفراد والكيانات التابعة لحركة طالبان أي فصلها من القائمة الموحدة في القرار 1267 لعام 1999، وبالتالي تصبح هناك قائمتين تفصل بين حركة طالبان وأتباعها واخرى خاصّة بتنظيم القاعدة وما يتعلّق بها من افراد وكيانات. والهدف من ذلك هو تسهيل المحادثات مع طالبان.

 أثرت العقوبات على طالبان سواءَ على مستوى علاقاتها بالمجتمع الدولي، أو في وصولها الى الكثير من الامتيازات المالية والعسكرية، إفشال مخططاتها الارهابية في الكثير من الاحيان، النجاح في تحريض الافغانيين من الداخل وذلك نتيجة الاثار الكارثية لهذه العقوبات ـ التي تروّج لكونها تسعى من خلالها لمواجهة الارهاب ـ على وضع افغانستان، وقد مارست هذه العقوبات سواءَ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ضغطا على على المدنيين وقدرات المنظّمات الانسانية في وصول مساعداتها الى أفغانستان.

وفيما يتعلّق بتأثير العقوبات على وصول المساعدات الانسانية الى أفغانستان، يمكن تفسير ذلك بالتركيبة المعقّدة في نظام كل عقوبة هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى قد تبدو الكثير من العقوبات رغم بساطتها شكليا إلاّ أنها عندما تُعنى بأطراف ذات وزن دولي كالأمم المتحدة، فإن ذلك سيؤدي الى تأثير كبير يعيق مسارها حتى في الوصول الى المساعدات، فكلما كانت الهدف أكثر قوّة وتركيبا خاصّة اذا ما تعلّق الامر بالإرهاب، حتما ستكون العقوبات والضغوطات موازنة لحجم الازمة حتى أنّها يمكن أن تتجاوز التأثير المُتوقّع ليكون اكثر حدّة. وتتفاقم هذه الازمة خصوصا في ظلّ عدم وجود آليات لدراسة وتحليل نطاق تأثير العقوبات وما قد تُلحقه من أزمات إنسانية، كما أنّ هناك عامل آخر يتجاوز تركيبة العقوبات في حد ذاتها وهو هيمنة الدولار الامريكي على التمويل الدولي، ذلك يجعل العقوبة تتجاوز المجال المحدد لها .

يمكن تلخيص اسباب الازمة في النهاية، الى أن الافغانيين حاليا يدفعون ثمن روابط طالبان سابقا بالقاعدة والانتهاكات الانسانية العديدة خاصة المتعلقة بالنساء والاطفال، ومخالفتها في الكثير من الاحيان للقوانين الدولية، مما جعل المؤسسات الواقعة تحت سيطرة طالبان في عجز تام في ظلّ اقصائها التام من النظام المالي الدولي، إذ قامت الولايات المتحدة الامريكية بكل الاجراءات الضرورية التي تجعل افغانستان خارج المعاملات المالية الدولية، ذلك الى جانب منع البنك المركزي الافغاني من الحصول على احتياطات العملات الاجنبية لتوفير الحد الادنى من السيولة لسداد مستحقاته لدى البنك الدولي.

ترى “هيومنرايتس وتش” أنّ  حل الازمة الانسانية في افغانستان  يستوجب:

  • ضرورة إجراء محادثات بين جميع أطراف العقوبات وطالبان لتمكين البنك المركزي الافغاني من دخول النظام المصرفي الدولي، وإذا لم يتمّ النجاح في الوصول الى اتفاق فيما بينها يجب العمل على تشريك طرف اخر  لفض الازمة الانسانية، وتقوم أطراف العقوبات بالاشراف على كل التدابير والاجراءات وتقديم كل الارشادات اللازمة التي تمكن الطرف الثالث باستخدام ودائع الوكالات الانسانية (التي بالدولار) وشراء الدولارات الامريكية خارج حدود افغانستان لنقلها فيما بعد الى بنوك كابول.
  • تمكين البنك المركزي الافغاني من التراخيص اللازمة للوصول للتسويات اللازمة  مع بنوك خاصة خارجية التي تمكّنه  من تسديد المستحقات لدى البنك الدولي..
  • اذا لم يتم التوصل لاتفاق يضمن تدخّل طرف ثالث لتسهيل المعاملات بالدولار الامريكي يجب على الامم المتحدة ان تستغل أي وسيلة تضمن وصول الاموال لمجابهة الوضع الانساني الكارثي وان تتصرف طالبان بعقلانية مع هذا الجانب.
  • يجب على الولايات المتحدة الامريكية  ان تعيد النظر العاجل في عقوباتها بما يسمح بتوفير السيولة اللازمة حتى يتم معالجة الوضع الانساني .
  • ضرورة استثناء اأعضاء “مجلس الامن التابع للأمم المتحدة” للأموال الموجهة الى المساعدات الانسانية من نظام العقوبات عن طريق التوصل الى اتفاق فيما بينهم تُدوّن في “مذاكرات المساعدة على التنفيذ”.

المصادر:

By Zouhour Mechergui

Journaliste