الأحد. ديسمبر 22nd, 2024

تقرير: خولة كلاحشي باحثة في العلوم السياسية والاتصالالسياسي في مركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية.

إن أهمية العملية الانتخابية تكمن في كونها الطريق الاوحد والاصح نحو التغيير والإصلاح وبناء مجتمع ديمقراطي تسوده الحريات والعدالة والمساواة، وتكمن أهمية المشاركة في العملية الانتخابية في أهمية شعور المواطن بمدى تأثير صوته الانتخابي في العملية الانتخابية.

فلقد إعتادت الدول التي تعمل على ترسيخ مبادىء الديمقراطية أن تحرص على نزاهة وعدالة العملية الانتخابية، لضمان تعزيز الديمقراطية النابعة من إختيار الشعب لأعضائه وممثليه او ما يسمى “بالديمقراطية الناضجة”، وأن الصوت الانتخابي يستطيع أن يقلب الموازين السياسية والخيارات الظاهرية إذا نظمت الانتخابات وفقاً للشروط القانونية والدستورية التي يحددها القانون والدستور، ولذا فعدم المشاركة الانتخابية في بعض الدول يعكس عدم ثقة الشعب في النظام، وعدم الثقة في مخرجات العملية الانتخابي الورقية.

كان تاريخ 09 ماي 2011 موعد أول اجتماع رسمي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ومثل 23 أكتوبر 2011 تاريخ أول انتخابات في تاريخ تونس بعد رحيل الرئيس بن علي. زمن ليس بطويل انقضى عن تلك المرحلة الناجحة ظاهريا والتي تولى تقريبا إدارتها المجتمع المدني الناتج عن الثورة، ولكنه شهد عدة جرائم في حق الوطن ارتكبتها الطبقة السياسية الحاكمة حاليا وخاصة تلك التي حكمت زمن الترويكا السابقة والحكومات العشر المتعاقبة.

ومن أبرزتلك الجرائم على الإطلاق والتي ضلت الديمقراطية التونسية تعاني ويلاتها الى اليوم من الناحية المؤسساتية، جريمة استهداف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أحدثت بمرسوم 27 أفريل 2011 وتم انتخاب أعضائها من قبل هيئة تحقيق أهداف الثورة يوم 09 ماي 2011 والتي تم التكتل للقضاء عليها تماما ووأدها قبل ولادتها وخلق هيئة بديلة مهجنة مطيعة غير مستقلة نهائيا وتخدم اجندات سياسية واشخاص ذوي النفوذ.

كانت تلك الجريمة علنية مركبة مسّت من مصداقية هيئة الانتخابات وأضعفتها ونزعت عنها تميزها وحرفيتها وأسقطتها وسط حلبة الصراع السياسي والايديولوجي العنيف، بعد أن كانت الحكم واصل الحقيقة وجعلت منها ألعوبة بين أيادي نائبين من حزب ومحلّ امتعاض وحتى تندّر من أغلب الأحزاب السياسية والمجتمع المدني.

عديدة هي الأحداث التي تبين مدى خطورة تداعيات تلك الجريمة التي ارتكبت في إطار “التمكين” واختراق جميع مفاصل الدولة على مرئ الساسة ورجال القانون و الحكومات فاكتملت الجريمة سلبا “بالصمت” دون ادانة.

وبعد  25 جويلية 2021 صدر مرسوم رئاسي لتعديل القانون الأساسي وتركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتاريخ 23 ابريل 2022 من قبل رئيس الجمهورية.

ويمكن تعريف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بكونها هيئة دستورية أشرفت على الانتخابات منذ أكتوبر 2011، وتتكون من 9 أعضاء “مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة”، ينتخبهم البرلمان بأغلبية الثلثين، ويباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها 6 سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين وذلك حسب الفصل126من دستور 2014.

فالهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي الهيئة المسؤولة عن تنظيم الانتخابات في تونس، تم تأسيسها في 18 أبريل 2011 ومقرها تونس العاصمة.

تم إنشائها من قبل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وذلك أشهر قليلة بعد “الثورة التونسية “التي أطاحت بنظام بن علي، وتحل الهيئة محل وزارة الداخلية التي أشرفت على الانتخابات منذ 1956 وحتى تأسيس هذه الهيئة، أول انتخابات تنظمها هذه الهيئة كانت في أكتوبر 2011 وهي انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.

 وفي هذا السياق، وفي وقت سابق، اشارت رئيسة شبكة مراقبون رجاء المجبري أنّ الذهاب نحو حلّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أمر خطير، معلّلة ذلك بأنّ حلّها يفرض أن تتعهد جهة أخرى بمهمة تنظيم الانتخابات والاستفتاء القادمين متسائلة عن طبيعة هذه الجهة ومدى خبرتها وشفافيتها وإمكانية مسائلتها عند تسجيل إخلالات.

واوضحت إنّه لا يوجد حاليا نية واضحة لحلّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، حيث تمّ رصد ميزانيتها لسنة 2022 ضمن قانون المالية وحيث أنّها مازالت تشرف على تنظيم الانتخابات البلدية مطالبة بالإبقاء على الهيئة.

وجاء الرد بزمن غير بعيد، واضحا ومباشر من قبل رئيس الجمهورية بمرسوم رئاسي لتعديل هيئة الانتخابات الذي يجدد تركيبتها والعناصر الممثلين لها دون الغاء الهيئة وانهاءها قانونا.

وبحسب المرسوم الرئاسي المنشور في الجريدة الرسمية للجمهورية”الرائد الرسمي”، فإن مجلس الهيئة “يتركب من 7 أعضاء يتم تعيينهم بأمر رئاسي”.

ووفق المرسوم، “يختار رئيس الجمهورية 3 أعضاء من الهيئة بطريقة مباشرة من الهيئة السابقة، و3 آخرين من 9 قضاة مقترحين من مجالس القضاة المؤقتة (العدلية والإدارية والمالية)، وعضوا آخرا من 3 مهندسين يقترحهم المركز الوطني للإعلامية.

وينص المرسوم الجديد على أن ولاية كل عضو في تركيبة الهيئة تدوم أربع سنوت غير قابلة للتجديد، على أنلا يتم تتبع أي عضو من أعضائها أو إيقافه على خلفية قيامه بأعماله في هذه الهيئة.

كما ينص المرسوم على اختيار “رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من قبل رئيس الجمهورية، ويرفع له كل مقترح إعفاء عضو من الهيئة ليختار إعفائهم من عدمه”.

جاء هذا التعديل الثقيل بعد تزاحم الآراء حول مصداقية اعضائها والدعوات في المشهد التونسي منذ بداية عمل الهيئة، من قبل سياسيين وممثلي أحزاب تشكك في الهيئة المستقلة التي ستشرف على الاستحقاق الانتخابي، وبالتالي على النتائج التي ستسفر عن العملية الانتخابية، المقرر إجراؤها في القريب العاجل.

وسبق أن شكك المرحوم رئيس نداء تونس الباجي قائد السبسي في تركيبة الهيئة والمناخ الذي تكونت فيه، حيث أكد أن “هيئة الانتخابات انتخبها المجلس الوطني التأسيسي، الذي يضمّ حساسيات سياسية مختلفة ولذلك يمكن القول إن استقلالية الهيئة نسبية وتكوينها كان متأخراً ولم يكن لها الوقت الكافي للقيام بعملية الانتداب والتأكد من أنهم مستقلون”.

لا شك ان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات اخترقت من طرف بعض الموظفين المنتدبين خاصة من يخدمون أجندة حزبية، كما ان أداء الهيئة كان ضعيفاً في الفترة الانتخابات الفارطة وهو ما نلاحظه في تراكم الاخلالات المتعددة وعدم مجابهتها لها مما يبرز هشاشة واضحة وضعفا وجب درؤه في الانتخابات القادمة.

مأخذ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات
          إضعاف الهيئة وتهميش دورها أمام الأحزاب السياسيةتراجعت هيئة صرصار في 2014 عن المطالبة بالبطاقة عدد 3 من المرشحين بعد تهديد من زعيم أحد الأحزاب الميكروسكوبية. وهو قرار كانت اتخذته مضطرة بعد ضغوط كبيرة من المجتمع المدني  بعد ارتكاب حركة النهضة جريمة الغاء شرط عدم ارتكاب جرائم مخلفة بالشرف من القانون الانتخابي وكان منصوصا عليه بالمرسوم عدد 35 لسنة 2011 المتعلق بالقانون الانتخابي. وهو قرار سياسي خطير يمكّن من حوكم من أجل الارهاب من الترشح للانتخابات ونيل مقعد نيابي أو صلب مجلس بلدي فيما بعد. ومنذ تشكيلها لم تتخذ الهيئة الحالية أي قرار شجاع وترفض حتى تطبيق القانون رغم وضوح صلاحياتها.
    صمت الهيئة في قضية عدم اعتماد الورقة البيضاء نهائيالم تدافع الهيئة الانتخابية منذ 2014 عن المواطن التونسي ولا عن حقوقه في مجال تدخلها ولم تبد موقفا من مختلف القوانين التي تم المصادقة عليها ولم تلعب دورها القانوني والسياسي ولم تقترح حتى تعديل قانونها واسترجاع صلاحياتها المنتهكة. في 14 نوفمبر 2011 وبعد استكمال الطعون أعلنا عن النتائج النهائية في ندوة صحفية. وكنت غاضبا لدرجة لا توصف من جراء قرار المحكمة الإدارية التي فوتت على تونس فرصة تاريخية في اعتماد الورقة البيضاء. وطلبت من الكاتب العام حينها صديقي بوبكر بالثابت توضيح موقف الهيئة من ذلك القرار واقترحت التمسك واثر انتهاء اعلان النتائج بموقف تاريخي يتعلق باحترام الهيئة المركزية لأحكام القضاء الإداري ولكن فقط  فيما يتعلق بدائرة مدنين موضوع الطعن وبأن الهيئة تتمسك باعتماد الورقة البيضاء في بقية الدوائر التي لم تشملها طعون وهو ما وافقني عليه وتمّ. 
                      مواصلة دعم هيئة ضعيفة تخشى من ممارسة صلاحياتهاورد بالصفحة 7 بالنسخة الفرنسية من تقرير بعثة الملاحظة التي أرسلها الإتحاد الأوروبي لمراقبة انتخابات 06 ماي 2018 البلدية رغم أنه  تقرير سطحي ومعدّ سلفا كالعادة،  ما يلي: “اختارت هيئة الإنتخابات عدم استعمال سلطتها في إلغاء النتائج وأحالت الخروقات الخطيرة للنيابة العمومية”. وهي ملاحظة خطيرة تمس من مصداقية الهيئة الحالية وتضرب أساس وجودها وتفيد بتخليها تماما عن ممارسة دورها وأعتقد أن على جميع الفاعلين السياسيين استخراج العبر منها. فهيئة انتخابات ترفض القيام بمهامها تغيّر حتما من نتائج الإنتخابات وتهضم حق قائمات مترشحة أخرى لم تفز أو فازت بنتائج أسوأ مما لو تحلّت الهيئة بالشجاعة والإستقامة وطبقت القانون على الجميع. نحن أمام هيئة لا تطبق القانون وتغيّر بالتالي من نتائج الإنتخابات التي أصبحت لا تعبّر عن حقيقة الصندوق خاصة ونحن نعلم أن سياسة إلقاء الكرة للآخرين لن تفيد في شيء وأن دور النيابة العمومية غير فاعل في القضايا التي تمس بعض الأحزاب السياسية.  
  تراكم الجرائم الانتخابية تنطبق هذه الملاحظة على الفترة التي ابتدأت يوم 08 جانفي 2014 تاريخ تنصيب السيد صرصار ومن معه على رأس الهيئة الموالية الجديدة وإلى يومنا هذا.  حيث لم تتجرّأ الهيئة الجديدة على اسقاط أي مرشح للانتخابات الرئيسية رغم فضيحة التمويل الأجنبي لأحد المترشحين للرئاسة والتي لا يعلم أحد عنها شيئا ليومنا هذا. كما أنها لم تتجرأ على اسقاط أية قائمة في تشريعية 2014 وبلديات 2018 رغم تعدد الجرائم الانتخابية فيها.
      للإخلال بالمسار الديمقراطيخلال سنة 2011 وفي الحملة الانتخابية لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي أصدرت الهيئة المستقلة  الأولى قرارا تاريخيا بمنع الإشهار السياسي. القرار  تم رفضه من قبل الاتحاد الوطني الحر وكذلك (وكانت صدمة كبيرة) من قبل الحزب الديمقراطي التقدمي حامل لواء الحقوق والحريات زمن الاستبداد، بدعوى عدم وجود سلطة ترتيبية للهيئة في القانون المحدث لها.

 ورغم هذه المأخذ البينة فقد جوبها الامر الرئاسي بالنقد والامتعاض من قبل المتضررين المباشرين منه، حيث أعربت حركة “النهضة”، عن رفضها التام للمرسوم الرئاسي المتعلق بتعديل القانون الأساسي لهيئة الانتخابات.

في بيانمفاده ان “الرئيس قيس سعيد الذي وضع البلاد على سكة الانهيار الاقتصادي والمالي، يواصل الدوس على الدستور الذي يمنع الفصل 70 منه أي تغيير للمواد الانتخابية بالمراسيم”.

كما انتقد نبيل بفون، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، القرار، وقال: “الهيئة أصبحت هيئة رئيس الجمهورية بامتياز”.

By Zouhour Mechergui

Journaliste