الجمعة. أبريل 26th, 2024

إعداد: فاتن جباري باحثةبالمركز الدّولي للدراسات الإستراتيجيّة الأمنيّة والعسكريّة

مراجعة وتدقيق: منى بوسيف باحثة بالمركز الدّولي للدراساتالإستراتيجيّة الأمنيّة والعسكريّة

تقديم عام

هجرة الشباب أو”قوارب الموت نحو المتوسط”ذاك المصير الذي يقود شبابا وشابات نحو المجهولطمعا في الوصول إلى أوروبا، تلك القارة العجوز التي التمسوا فيها طوقاللنجاة،خلال رحلة شاقة للبحث عن حياة آمنة تتيح لهم تحقيق طموحاتهم.

لقد شكلت هذه المسألة تحديا كبيرا بالنسبة للدولة، خصوصا خلال الآونة الأخيرة، حيث كانت سنة 2021 استثنائية بكافة المقاييس نتيجة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنيةالتي تشهدها تونس خلال الوضع الراهن.

صرح المنتدى الاقتصادي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنه رصد منذ 2021 وصول أكثر من ثمانية آلاف مهاجر تونسي إلى السواحل الايطالية وهو رقم مرتفع جدا مقارنة بسنة 2021، كما تم إحباط عمليات اجتياز لأكثر من 12 ألف مهاجر غير نظامي بنسبة تتجاوز 54 بالمائة مقارنة بالسنة الفارطة.

 تعد إيطاليا اليوم، من أكثر الدول تضررا؛ ذلك أن سواحلها الجنوبية أضحت قبلةلأعداد هائلةمن المهاجرين غير القانونيين مما دفعها مؤخرا لسن قوانين تتسم بطابعها الزجري،إذ تقومبترحيل مهاجرين غير نظاميين إلى تونس بمعدل 4 مرات أسبوعيا،إذ تضم كل سفرة ترحيل أربعين مهاجرا غير نظامي، علما وأن السلطات الايطالية تضغط حاليا من أجل أن يكون هذا الترحيل دون سقف عددي باعتبار أن الاتفاقية المبرمة بين البلدين بشأن الهجرة غير النظامية تجبر ايطاليا على احترام السقف العددي.

مقدمة

تُعتبــر الهجــرة ظاهــرة قديمــة قــدم الإنســان، مُتجــددة بتجــدد الأنظمــة السياســية والاجتماعيــة والقانونيــة وذلــك نظرا لارتباطهــا بالعديــد مــن الجوانــب السياســية والاقتصادية والاجتماعيــة للــدول. لقــد تطــورت ظاهــرة الهجــرة بتطــور المجتمعــات البشــرية وبتطــور الأنظمــة السياســية والقانونيــة التــي وضعــت حــدودًا لحــق التنقــل للتصــدي للهجــرة وقامت بتحديد شــروط اســتقبال الوافديــن نظــرًا لارتباطهــا الوثيــق بمفهــوم الســيادة، لتتحــول هــذه الوســيلة التــي كانــت تعتمــد لكســب الــرزق وتحقيــق التنميــة إلــى أخطــر الظواهــر الاجتماعيــة، الأمــر الــذي جعلهــا تتخــذ مكانــة مهمــة ضمــن تحديــات المجتمــع الدولــي، فلــم تعــد مجــرد ظاهــرة مرتبطــة ببعــض  الــدول  وبعــض المجتمعــات بــل أضحــت ظاهــرة عالميــة تُعانــي منهــا جميــع الــدول ســواء المتقدمــة أو الناميــة.

وتكمــن أهميــة التطــرق اليــوم، إلــى المقاربــة الوطنيــة والدوليــة لظاهــرة الهجــرة غيــر النظاميــة للشباب باعتبارهــا إحــدى أهــم القضايا التــي تواجههــا العديــد مــن الــدول التــي تنظــر إلـى المُهاجريـن غيـر الشــرعيين بوصفهــم مصـدر كل المخاطـر والأزمـات وسـببًا مباشـرًا فـي انتشـار الجريمـة المنظمــة وتجـارة المخــدرات والتطـرف الدينـي والعرقـي والعامـل المباشــر فـي عــدم الاســتقرار والانفــلات الأمنــي و هذا دليل على مدى اتساع رقعة الدائرة الإجراميةلتتجاوز الحيز الجغرافي للدولة الى جريمة عبر دولية منظمةتفتحعلى شبكات دولية لها مردود هائل تجنيه من صفقات الاتجار بالبشر و الأسلحة و المخدرات وهذه العائدات قد  تفوق عائدات دول بحالها .

لقد جعلت هذه المنظمات من الفساد السياسي و الإداري احد اهم وسائلها للتسرب إلى الوظائف العليا حتى باستخدامها للرشوة وتضارب المصالح و الدخول و التجذر في السوق السوداء والسبب أنها وجدت في البلاد التونسية حاضنة شعبية يكثر فيها العرض و الطلب و موقعا استراتيجيا ينفتح على القارة الأوروبية عبر البحر و الثالوث الليبي الجزائري و المغربي  مما جعلها نقطة عبور لعدد كبير من الجنسيات و خصوصا منهم الجنسيات الإفريقيةالمتركزة بتونس خلال السنوات الأخيرة و هذا التواجد سيطرح بدوره إشكالات أخرى ستصبح بدورها تحدي اخر ستواجهه الدولة في المستقبل.

التشريع التونسي وحدود الأنظمة القضائية في مواجهة الهجرة غير النظامية

  • تعريف الهجرة غير النظامية طبقا للمنظور الدولي

يجب تحديد ماهيــة الهجرة غير الشرعية انطلاقا مــن بعــض النصــوص الدوليــة أولا،وقبــل التطــرق إلــى كيفيــة التصــدي للهجــرة غيــر النظاميــة انطلاقا مــن التشريعات. حيــث عرَّفــت المفوضيـة الأوروبيـة الهجــرة غيــر الشــرعية بوصفهـا«كل دخــول عــن طريــق البـر أو البحــر الجــو إلــى إقليــم دولــة عضــو بطريقــة غيــر قانونيــة بواســطة وثائــق مــزورة أو بمســاعدة شــبكات الجريمـة المنظمـة، أو مـن خـلا ل الدخــول إلـى منطقــة الفضـاء الأوروبـي بطريقـة قانونيـة مـن خـلا ل موافقــة السـلطات بالحصــول علـى تأشــيرة وثــم البقــاء بعــد انقضـاء الفتـرة المحـددة أو بتغييــر غــرض الزيــارة والإقامــة دون موافقــة السـلطات »، المُهاجــر غير الشــرعي هــو مصطلــح الهجــرة غيـر النظاميـة  الأمـر الـذي يدفعنــا إلــى اعتمــاد مصطلح المُهاجــر غيـر الحائـز علــى الوثائــق النظاميـة .

إثـر تعريــف الهجــرة مــن المنظــور الدولــي، يجــب علينا التطــرق إلــى أنــواع الهجــرة، وهــي الهجــرة الشــرعية أو القانونيــة التــي نعنــي بهــا الهجــرة المنظمــة والمطابقــة للقانــون ولإجــراءات الســفر الجــاري بهـا العمـل، وهــو النــوع مـن الهجــرة الـذي يتـم وفــق المتطلبـات والقواعـد الإجرائيـة والموضوعيــة المعمــول بهــا دوليًــا والمتطلبــة وفــق كل تشــريع كل دولــة علــى حــدة، والتــي مــن أهمهــا حمــل المهاجــر لوثيقـة ســفر قانونيــة، وأن لا يكــون محجــرًا عليــه مـن مغـادرة الدولـة  وأن يكــون الراغــب فــي الهجــرة إليهــا متحصــلا علــى إذن شــرعي للدخــول إلــى الدولــة التــي ينتمــي إليهــا لأســباب قانونيــة وأن يُقيــم فــي الدولــة المقصــد وينهــي إقامتــه فيهــا وفــق المســموح والمقــرر طبق لقوانينهــا وأنظمتهــا ومــا حصــل عليــه مــن مــدة، وانطلاقًا مم سبق نســتنتج أن مـدى توفـر الشــرعية مـن عدمهـا يرتبــط بمــدى توفــر عِلــم الدولـة بتنقــل المواطـن و وجهتــه وعِلـم الدولـة الراغـب الهجـرة إليهــا ودخولــه وإقامتـه بهـا.

لقــد تضافــرت جهــود المجتمـع الدولـي لمُكافحــة ظاهــرة الهجــرة غيــر الشــرعية مــن خــلال إبــرام الاتفاقيــات الدوليــة ومــن أهمهــا اتفاقيــة الأمــم المتحــدة لمكافحــة الجريمــة المنظمـة جريمــة تهريــب المُهاجريــنوبروتوكولهــا الملحــق الخــاص بمكافحــة « جريمة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو  » والتــي مهــدت لاتفاقيــات إقليميــة وثنائيـة بيـن دول العبــور وبيـن الـدول المنشـأ ودول الاسـتقبال بهـدف ترسـيخ التعـاون الدولـي للقضـاء علـى هـذه الظاهـرة، خاصــة مــن خـلال إحـداث لجنـة حقـوق الإنسـان التابعـة للأمـم المتحـدة ولايـة المقـرر الخـاص المعنــي بحقـوق الإنسـان للمُهاجريــن، حيــث حثـت اللجنــة علـى إيجـاد السـبل الكفيلـة لحمايــة حقــوق المُهاجريـن ،غيــر أن تحقيــق المُعادلــة بيــن حقــوق الإنســان وحمايـة دول الاســتقبال ومع تزايـد عـدد المُهاجريــن، نتيجـة للأزمـات السياسـية المتتاليــة التــي عرفتهـا بعـض الـدول، قد دفــع العديــد منهــم إلــى الدعــوة لمجابهــة وتأطيــر وضعيــة المُهاجريـن غيــر النظامييــن عبــر إبــرام الاتفاقيــات الدوليــة التــي ســعت إلــى إحــداث نوعيــن مــن الآليــات: آليــات للتصــدي لظاهــرة الهجــرة تصطبــغ بالطابــع الأمنــي أساسًــا، وآليــات ذات طابــع حمائــي وحقوقــي مــن جهــة أخــرى.

لكــن علــى الرغــم مـن ذلـك تبقــى هــذه الاتفاقيــات علــى أهميتهـا محــدودة النجاعــة، وأهـم مثــال علــى ذلــك الاتفاقيــة الدوليــة لحمايــة حقــوق جميــع العمــال التــي تــم إبرامهــا ســنة 1999حيـث قامـت العديـد مـن دول المنشـأ المصادقـة عليهـا ولـم تدخـل حيـز النفـاذ إلا سـنة2003 فــي حيــن تولـت الـدول المســتقبلة عـدم التوقيـع عليهــا، علمًــا أنهــا تسـتقطب أغلـب العمــال فــي أوروبــا أو أمريــكا الشــمالية ودول أخــرى كاليابــان وأســتراليا ودول الخليــج.

  • المقاربات الدولية للهجرة غير النظامية

 ســعى المجتمــع الدولــي إلــى تأطيـر ظاهــرة الهجــرة غيــر النظاميــة عبــر إقــرار مبــدأ ضمــان حقــوق المُهاجريــن وأحـد أهــم هــذه الاتفاقيــات هــي اتفاقيــات منظمــة العمــل الدوليــة لســنة1949،التـي اعتنــت بحمايــة حقــوق المُهاجريــن ومــن أهمهــا الاتفاقيــة الدوليــة عــدد 97  المتعلقــة بالعمــل اللائــق، كمــا ســعت منظمـة العمــل الدوليــة إلــى حمايــة حقــوق المُهاجريــن علــى اعتبارهم الأكثــر عُرضة للاســتغلال خاصــة فــي البروتوكــول المتعلــق بمكافحــة تهريــب المُهاجريــن عــن طريــق البــر والبحــر والجــو  ،المُصــادق عليهــا بموجــب قــرار الجمعيــة العامــة للأمــم المتحــدة رقــم 52/55 لســنة 2000وتعــزز هــذا التوجــه الحمائــي مــع صــدور البروتوكــول المُتعلــق بمعاقبــة الاتجــار بالأشــخاصوخاصــة النســاء والأطفــال كتكملــة لاتفاقيــة الأمــم المتحــدة لمكافحــة الجريمــة العبــر وطنيــة بهــدف حمايــة حقــوق المُهاجريــن ومكافحــة تهريبهــم والتــي اعتبرت تهريــب المُهاجريــن جريمــة دوليــة، محاولــةً تكريــس مجموعــة مــن المبــادئ علــى غــرار مُحاربــة أنشــطة الجماعــات المنظمــة لعمليــات التهريــب و دعت إلى ضــرورة معاملــة المُهاجريـن معاملــة إنســانية وخاصــة ضــرورة اتخــاذ الــدول الأطــراف التدابيــر والتشــريعات اللازمــة لتجريــم تهريــب المُهاجريــن.

لئــن كانــت هــذه الاتفاقيــات الدوليــة قــد منحــت حقوق للمُهاجريــن فإنهــا تضلعاجزةعلــى ضمــان الحقــوق المكفولــة لهــم نظــرًا لغيــاب الآليــات الحقيقيــة والناجعــة لمُعالجــة وضعيــة المُهاجريـن ورفـض دول الاســتقبال ضمــان الحقــوق الأساســية للمُهاجريـن.

نظريًــا يبــدو أن الاتفاقيــات الدوليــة حاولــت تأطيــر ظاهــرة الهجــرة غيــر النظاميــة وإخضاعهــا إلـى مجموعـة مـن المبــادئ غيـر أن احتـرام الـدول الأطـراف لهــذه المبــادئ ليـس أمــرًا واقعًـا اســتنادًا إلــى العديــد مــن الأســباب المتعلقــة بالــدول المســتقبلة للمُهاجريــن والتــي تســعى بالأســاس إلــى حمايــة اســتقرارها الأمنــي وســيادتها، وهنــا ســنذكر المثــال الإيطالــي حيــثأصــدرت إيطاليــا ســنة 1999قانونًــا خاصًــا بالهجــرة اتباعا للنظــام القانونــي للمُهاجريــن وتفعيــلا لإجــراءات الإعــادة القســرية إذ قامت بتنظيــم مراكــز حجــز وإيــواء المُهاجريـن غيـر الشـرعيين، غير ان هذا القانون لم يكن كفيلا خاصة و ان السلطات الايطالية تسعى الان الى الضغط على الدولة التونسية من أجل ترحيل المهاجرين المتواجدين بها رغم وجود اتفاقية تنص على العدد المحدد للترحيل المهاجرين من ايطاليا الى تونس.

إن الاتفاقيــات الدوليــة على الرغم من أهميتهــا البالغة فــي الســعي إلــى مكافحــة ظاهــرة الهجــرة غيــر النظاميــة إلا أنهــا تبقــى مجــرد مجهــودات لا تفــي بغــرض المجابهــة الفعليــة لهــذه الظاهــرة بجميــع أركانهــا، وتحقيــق المعادلــة بيــن ضمــان حقــوق الإنســان ومكافحــة الهجــرة. ومــردود ذلــك أساسًــا هــو غيــاب اســتراتيجيات شــاملة وسياســات طويلــة الأمــد مــن جانــب دول الاســتقبال والــدول المُصــدرة لأن المجهــودات الدوليــة فــي مواجهــة ظاهــرة الهجــرة تبقــى مجــرد ردود أفعاـل تخص وضعيــات بعينهــا يغيــب عنهــا الطابــع الشــمولي،ولتأطيــر الهجــرة غيــر النظاميــة يجـب وضــع المبــادئ المُتعلقــة بطــرق مجابهــة هــذه الظاهـرة وتحديــد الحقـوق التــي يتمتــع بهــا المُهاجرون وملاءمــة القواعــد الزجريــة لهذه الوضعيــات انطلاقـا مــن خصوصيتهــا.

إن المبــادئ الأساســية لوضــع إطــار دولــي شــامل وقــع التطــرق لهــا فــي العديــد مــن الاتفاقيــات الدوليــة المتفرقــة علــى غــرار الاتفاقيــة الدوليــة لحمايــة حقــوق جميــع المُهاجريــن وأفــراد  أســرهم وبروتوكوليهــا المُلحقيــن المُتعلقيــن بمنــع الاتجــار بالبشــر ومكافحــة تهريــب المُهاجريــن عــن طريــق البــر والبحــر والجــو التــي صادقــت عليهــا دول قليلــة خاصــة اتفاقيــة حمايــة حقــوق العمــال  واتفاقيــة الأمــم المتحــدة لمكافحــة الجريمــة المنظمــة العبــر وطنيــة كدليل على مدى تشعب هذه الجريمة” الأخطبوطية الخطيرة”.

 إن التطــرق إلــى موضــوع الهجــرة غيــر النظاميــة اتخــذ أشــكالا ومقاربــات متنوعــة بتنـوع الإشــكالات المطروحــة فــي علاقـة أساسًــا بمواجهتهــا كظاهـرة تــؤرق المجتمــع الدولـي والتـي يتــم تكييفهــا بوصفهـا مصـدر كل المخاطـر التـي قـد تهـدد دول الاسـتقبال وكوضعيـة تســتحق مزيــدًا مــن الإحاطــة والحمايــة عندمــا يقــع التطــرق إليهــا مــن منظــور حقوقــي وإنســاني بالأســاس، لذلــك كان التطــرق إلــى مســألة الهجــرة فــي زمــن غيــر بعيــد مرتبــط أساسًــا بحقــوق العامليـن المُهاجريــن وأسـرهم وبمســألة التمييــز والاضطهـاد الـذي قـد يتعــرض لـه العامــل المُهاجـر فـي دول الاسـتقبال التــي كانــت أثـر الحـرب العالميـة تسـتقطب المُهاجريـن بوصفهــم يــد عاملــة، لا بــل كانــت هــذه الــدول تُجبــر العامليــن علــى مغــادرة موطنهــم الأصلــي للمُشـاركة فـي عمليـات الإعمــار.

لــم تتواصــل هــذه الرؤيــة وهــذه المقاربــة التــي كانــت تتخذهــا بعــض الــدول فــي حقبةتاريخيــة مُعينــة بهــدف حمايــة حقــوق المُهاجريــن، فتغيــرت المناهــج والسياسـات المعتمــدة وبــدأت دول الاســتقبال تتصــدى للمهاجريــن وتضــع قوانيــن وأنظمــة مُعقــدة للحــد مــن الهجــرة التــي أضحــت غيــر شــرعية ومرتبطــة أساسًــا بالصبغــة الانتقائيــة، حيــث أصبحــت دول الاســتقبال تســعى لاســتقطاب المهــارات البشــرية وتضــع حــدودًا وعراقيــل أمــام الفئــات التــي كانــت تعتبرهــم وســيلة أعمــال وتنميــة والذيــن أصبحــوا فــي نظرهــا مصــدرا لكافة المخاطــر والجرائــم وتهديــدًا لاســتقرارها وأمنهــا.

مــن هــذا المنطلــق أصبحــت الهجــرة غيــر النظاميــة هاجــس دول الاســتقبال التــي تســعى إلــى وضــع سياســات أمنيــة ذات طابــع زجــري بالأســاس، وقع من خلاله الاعتماد على الأجهزة الدولية المكافحة للجريمة خصوصا على مستوى التعاون الأمني الاستخباراتي ومن أهمها جهاز الانتربول.

لقد اتخــذ المجتمــع الدولــي زاويــة نظــر غيــر مختلفــة عبــر إبــرام العديــد مــن الاتفاقيــات الدوليــة والإقليميــة الهــدف منهــا الحــد مــن هــذه الظاهــرة وليــس إحاطتهـا بمجمــوع الضمانـات اللازمـة لحمايـة المُهاجريــن. وعلــى الرغـم مــن ذلــك بقيــت هذه الدول عاجـزة عـن التصـدي لهـذه الظاهــرة التــي اتخـذت لهـا موقعًــا مـن القانــون الجزائــي للعديــد مــن دول الاســتقبال ودول العبــور ودول المنشــأ. نظـرًا إلـى كمية الضغـوطات والوضعيــات المأســاوية المُتعلقـة بالمُهاجريـن والضغـوط المتواصلـة مــن قبــل دول الاســتقبال خاصــة منهــا الــدول الأوروبيــة بوصفهــا الوجهــة الرئيســية للمُهاجرين غيـر الشــرعيين لــدول إفريقيـا لإجبارهــا علــى اتخـاذ التدابيــر الضروريــة لمجابهــة الهجــرة غيــر النظاميــة، تــم إبــرام العديــد مــن الاتفاقيــات الثنائيــة التــي تطرقــت إلــى مجمــوع الإجــراءات الواجــب اتباعهــا إلا أن هــذه الإجــراءات فــي معظمهــا تأخــذ طابعًــا زجريًــا وردعيًــا مســتبعدة الطابـع الحمائـي فهـي مجـرد إجـراءات أمنيـة بحتـة تتعلـق بالاحتجـاز الحـدودي وعمليــات إبعـاد المُهاجريــن غيــر النظامييــن عـن إقليــم الــدول المسـتقبلة للمُهاجريـن. لقــد عرفــت منظمــة الأمــم المتحــدة الهجــرة غيــر النظاميــة بوصفهــا«دخــول غيــر مقنــن لفــرد مـن دولــة إلـى أخـرى عـن طريـق البـر أو الجـو أو البحـر… ولا يحمـل هـذا الدخــول أي شـكل مـن تصاريــح الإقامــة الدائمــة أو المؤقتــة، كمــا تعنــي عــدم احتــرام المتطلبــات الضروريــة لعبــور » ومــن هــذا المنطلــق جــاء التمييــز بيــن جريمتيــن وهمــا الاتجــار بالبشــر وتهريب الأشــخاص حيــث عــرَّف بروتوكــول مكافحــة تهريــب المُهاجريــن المكمــل لاتفاقيــة الأمــم المتحــدة لمكافحــة الجريمــة عبــر الوطنيــة عــن طريــق البــر والبحــر والجــو، ، تهريــب المُهاجــر وفــق العناصــر التاليــة: تدبيــر الدخــول غيــر المشــروع لشــخص مــا إلــى دولــة طــرف ليــس ذلــك الشــخص مــن رعاياهـا أو مــن المقيميـن الدائميــن فيهــا.

 إن تهريــب المُهاجريــن والاتجــار بالبشــر كلاهمــا يندرجــان ضمــن الأفعــال المُجرمــة علــى المسـتوى الدولــي لذلـك وجــب التمييـز بينهمـا لتحديـد الأبعـاد المتصلـة بكليهمـا، إذ إن فعـلايشــتمل علــى نقــل أفــراد مــن دولــة إلــى أخــرى يعتبر  كسًــبا للربــح، علــى خــلاف الاتجــار بالبشــر الــذي يتــم تجريمــه بالاســتناد إلــى توافــر عنصريــن إضافييــن يتجــاوزان نطــاق التهريــب، أي يجـب أن ينطــوي الاتجـار علــى وســائل ملتويــة مثــل القســر أو الاختطــاف، ويجــب أن يكــون الفعــل قـد ارتكـب لغــرض الاسـتغلال، بصــرف النظـر عـن تحقــق الاســتغلال مـن عدمــه، ومــن هــذا المُنطلـق يجــب التمييــز بيـن الوســائل المعتمــدة بيــن الجريمتيــن ففــي جرائــم الاتجــار بالبشــر تتمثــل الوســائل فــيالتهديــد بالقــوة أو اســتعمال القــوة أو أي شــكل مــن أشــكال القســر أو الاختطــاف أو الاحتيــال أو إســاءة اســتعمال الســلطة أو إســاءة اســتغلال حالــة اجتماعيــة أو وضعيــة هشــة أو بإعطـاء مبالـغ ماليــة، أمـا بشــأن جريمـة الهجـرة غيــر النظاميـة فتكــون بنـاء علــى رغبـة الشـخص نفســه، وغالبًــا مــا يشــرع المُهاجــر غيـر الشــرعي بالاتصــال بالمُهربيــن مــن أجــل مســاعدته فــي تنفيــذ رغبتــه، إضافــة لذلــك تختلــف الجريمتيــن فــي الغايـة والهـدف ففـي جريمــة الاتجـار بالبشـر تشـمل الاسـتغلال الجنسـي أو الاسـترقاق أو الممارسـات الشــبيهة بــه وبيــع الأعضــاء علــى خــلاف الهــدف فــي جريمــة الهجــرة غيــر النظاميــة التــي يســعى مــن خلالهــا المهربــون إلــى تحقيــق منفعــة شــخصية قــد تكــون ماليــة أو ماديــة أو غيــر ذلــك، وينتهــي الاســتغلال بوصولهــم إلــى وجهتهــم، حيــث تكــون لهــم حريــة الإرادة.

 مــن هــذا المنطلــق نجــد مكتــب الأمــم المتحــدة المعنــي بالمخــدرات والجريمـة الــذي لعــب دورًا مهمًــا فــي التصــدي للهجــرة غيــر النظاميــة ومــا قــد ينتــج عنهــا، مــن خــلال إصــدار القانــون النموذجـي لمكافحـة تهريـب المُهاجريــن فـي اسـتجابة لطلــب الجمعيــة العامـة وذلـك لتقديــم المســاعدة إليهــا.

  • جهــود الــدول الأعضــاء المتحــدة لمكافحــة الجريمــة المنظمــة عبــر الوطنيــة والبروتوكــولات الملحقــة بهــا وتنفيذهــا.

بهــدف مواجهــة الهجــرة غيــر النظاميــة وأثارهــا المأســاوية تبنــت المنظمــة الدوليــة للهجــرة العديــد مــن الآليــات الهادفــة إلــى تحســين أوضــاع المهاجريــن، ودعــم اســتراتيجيات وسياســات مكافحــة تهريــب المهاجريــن لمــا لــه مــن آثــار ســلبية علــى مختلــف دول العالــم، عــن طريــق التنســيق والتعــاون علــى المســتويين الإقليمــي والدولــي بيــن كل الســلطات والــوكالات المعنيــة وبحمايـة أمــن الحـدود، بهـدف ضبـط منظومـات معنيـة بــإدارة الحـدود.

  • مُقاربة التشريع التونسي للهجرة غير النظامية

لم يكن التشريع التونسي بمنأى عن التخوفات المتعلقة بالهجرة غير النظامية بل مثل إحدى أهم التحديات الوطنية التي سعت الدولة التونسية الىمجابهتها خصوصا عبر وضعقوانين زجرية.

تختلــف التشــريعات الوطنيـة المتعلقـة بالهجــرة غيــر النظاميــة مـن دولــة إلــى أخـرى وذلـك باختــلاف الأهــداف والسياســات المتبعــة وخاصــة الوضعيــات السياســية والاجتماعيــة والاقتصادية لهـذه الـدول ومـن هـذا المنطلـق كانـت الغايـة الأساسـية للـدول المغاربيــة مــن سـن القوانيـن تعنــى بالهجــرة غيــر النظاميــة والتصــدي لهــا من خــلال تجريمهــا ومعاقبــة فاعليهــا والمشــاركين فيهــا والمنظميــن للهجــرة الســرية وأبــرز مثــال علــى ذلــك هــو التشــريع التونســي حيــث تضمــن القانون الصادر سنة2004  المُتعلــق بتنقيــح القانــون عــدد40  المُتعلــق بجــوازات الســفر ووثائــق الســفرلســنة 1975 العديــد مــن العقوبــات الجزائيــة المختلفــة باختــلاف الأفعــال المرتكبــة والمُتعلقــة بالهجــرة فيعاقب بالسجن لمدة 3 أعوام  و بخطية قدرها ثمانية ألاف دينار كل من ارشد أو دبر أو سهل أو ساعد أو توسط أو نظم بأي وسيلة كانت و لو دون مقابل دخول شخص إلى التراب التونسي أو مغادرته خلسة سواء تم ذلك برا ا او بحرا أوجوا  من نقاط العبور أو غيرها والمحاولة  موجبة للعقاب . 

كما شدد المشرع درجات العقوباتبالنسبة لفئة معينة نص عليها بصورة حصرية صلب الفصل 43  من القانونالمتعلق بجوازات السفر … «إذا ارتكبت الجريمة ممن عهد إليهم بحراسة الحدود أو نقاط العبور أو الموانئ بصفة مباشرة أو غير مباشرة أو بمراقبتها ممن عهد إليهم القانون  مهمة معاينة هذه الجرائم وزجر مرتكبيها من أعوان قوات الأمن الداخلي أو من أعوان القوات العسكرية أو أعوان  الديوانية  ممن استغل صفته أو النفوذ الممنوح له بحكم وظيفته آو عمله ضد طفل وباستخدامه»  دون أن يولــي أهميــة للحقــوق المتعلقــة بالمُهاجرين ، باعتبار المهاجرين ضحيــة أو بحمايتهـم مســتبعدًا بذلــك التوجــه الــذي يتبنــى نظريــة بالأســاس علــى آليــة الــردع والزجــر وهــي الآليــات القانونيــة التــي تتماشــى مــع التوجهــات التــي اتخذتهــا بعــض الــدول الأوروبيــة ومــن أهمهــا إيطاليــا التــي تُعــد أحــد دول الاســتقبال بالنســبة للمُهاجريــن التونســيين علــى اعتبارهــا أول الــدول الأوروبيــة وأكثرهــا تضــررًا مــن هــذه الظاهــرة التــي أصبحــت ســواحلها الجنوبيــة قِبلــة لأعــداد هائلــة مــن المهاجريــن غيــر  والــذي وضــع القانونييــن، وهــو مــا دفعهــا إلــى ســن أول قانــون خــاص للهجــرة ســنة1998 لأول مــرة نظامًـا قانونيًــا خاصًـا بالهجــرة غيــر النظاميـة مــن خــلال ضبــط إجـراءات الدخـول للإقليــم الإيطالــي وتجديــد إقامــة الأجانــب، وتأســس هــذا القانــون علــى أربعــة آليــات تتمثــل فــي إعــادة برمجــة سياســات الهجــرة مــن جديــد، النظــر فــي شــروط دخــول الأجانــب لإيطاليــا وســبل الإقامــة بهــا، وإعــادة تنظيــم إجــراءات منــح الإقامــة وتفعيــل الإعــادة القســرية للمُهاجريــن غيــر النظامييــن وإحــداث مراكــز حجــز وإيــواء المُهاجريــن، وحــدد القانــون المــدة القانونيــة لحجــزهــؤلاء المهاجريـن بـــ30يومًـا، يتــم بعدهــا تحديــد مصيرهــم بعــدة طـرق، إمــا الســماح لهـم بالإقامــة والعمــل فــي الأراضــي الإيطاليــة أو ترحيلهــم إلــى بلدانهــم الأصليــة، أو محاكمتهــم إذا قامــوا بأفعـال يعاقــب عليهــا القانــون فــي فتـرة تواجدهــم بالدولـة الإيطاليــة. وعلــى الرغــم مـن الصبغــة الزجريـة لهــذه الإجـراءات إلا أنهـا اعتبـرت غيــر كافيــة لــردع هـذه الظاهــرة الخطيــرة التــي تُهــدد إيطاليــا خاصــة بعــد تزايدهــا الكبيــر مــع مــرور الوقــت، عملا بالقانـون رقــم 189 «الـذي مهـد لظهـور قانـون جديــد للهجــرة ســنة2002 يعـرف ببوســي فينــي، جــاء هــذا القانــون صارمًــا مــن خــلال تفعيــل إجــراءات الحبــس والطــرد حيــث. أمــر بالطــرد بســجن الأجنبــي مـن سـنة إلـى أربـع ســنوات الـذي صـدر لـه  مــن القانــون  وهــذا بعــد القبــض عليــه ومحاكمتــه ولكنــه مــازال موجــودًا علــى أراضــي الدولــة ولــم يكتــف القانــون بوضــع عقوبــات جزائيــة بــل نظــم إجــراءات طــرد المهاجريــن غيــر النظامييــن عــن طريــق المرافقــة إلــى الحــدود لأنــه يجــب علــى الســلطات مســاعدته أو تنفيــذ تحقيقـات أخـرى للحصـول علـى مسـتندات السـفر الخاصـة بالمهاجـر وفـي حالـة عـدم وجــود أي وســيلة نقــل مناســبة تســمح بتنفيــذ المرافقــة إلــى حــدود بلــد المنشــأ للمهاجــر فإنــه يتــم حجــزه  مـن 30 يومًــا إلـى 60 يوما  لـدى مراكـز الإيـواء مؤقتًـا، وعنــد انتهـاء هــذه المــدة التـي مدهـا القانـون  حســب نــص الفصــل الرابــع عشــر، وفــي حالــة عــدم إمكانيــة تنفيــذ حكــم الترحيــل يتــم إصــدار قــرار بتــرك الأراضــي الإيطاليــة خــلال خمســة أيــام ويتــم الحكــم عــن طريــق مســتند مكتــوب فيــه النتائــج الجزائيــة فــي مخالفــة القانــون، إضافــة إلــى ذلــك أصــدر القانــون الإيطالــي عقوبــة جديــدة متعلقــة بالمُهاجريــن المقيميــن دون تأشــيرة إقامــة بصــرف النظــر عــن دخولهم بطريقــة قانونيــة ويعتبرهــم القانــون فـي وضـع غيــر قانونـي وينطبـق عليهــم قـرار الترحيـل.

 لــم يكــن التشــريع التونســي بمنــأى عــن التخوفــات المُتعلقــة بالهجــرة غيــر النظاميــة بــل مثل أحــد أهـم التحديــات الوطنيــة التـي ســعت إلــى مجابهتهــا خصوصًــا عبـر تجريـم الهجــرة غيــر النظاميــة وتكريــس عقوبــات جزائيــة مختلفــة باختــلاف الفعــل المتعلــق بالهجــرة وبطبيعتــه وهو فــي الواقـع ليــس مختلـف عـن التشــريعات المُعتمـدة فــي عــدة دول أخـرى ونذكــر مــن أهمهـا مصــر حيــث اعتمــدت نفــس التمشــي التشــريعي وتدرجــت فــي اعتمــاد العقوبــات الجزائيــة.

لــم يكتــف المُشــرع التونســي بالتنصيــص علــى هــذه العقوبــات الجزائيــة المُتعلقــة بالمهاجريــن والمســؤولين عــن إيوائهــم بــل كذلــك نــص مُعاقبــة «كل مــن شــارك فــي وفــاق أو كــوّن تنظيمًــا يهــدف إلــى إعــداد أو تحضيــر (….) أو أداره أو انخــرط فيــه أو تعاون معه أو ســاعده بــأي طريقــة كانــت ســواء كان ذلــك داخــل البــلاد أو خارجهــا. ويحصــل الوفــاق أو التنظيــم بمجــرد الاتفــاق والعـزم بيـن شــخصين أو أكثـر علــى ارتــكاب الأفعـال المذكــورة» بالفصـول الســابقة، كمــا شـدد المُشـرع درجـة العقوبـات بالنسـبة لفئـة معينــة نـص عليهـا بصفـة حصريـة صلـبالقانــون المتعلــق بجــوازات الســفر ووثائــق الســفر ليكــون العقــاب بالســجن مــدة إثني عشر عاما وبخطيــة قدرهــا أربعــون ألــف دينــار إذا ارتكبــت الجرائـم المذكــورةممــن عُهــد إليــه بحراســة الحــدود أو نقــاط العبــور أو الموانــئ بصفــة مباشــرة أو غيــر مباشــرة أو بمراقبتهــا، ممــن عَهــد إليــه القانــون مهمــة معاينــة هــذه الجرائــم وزجــر مرتكبيهــا، مــن أعــوان قــوات الأمــن الداخلــي أو مــن أعــوان القــوات العســكرية أو أعــوان الديوانــة، ممــن اســتغل صفتــه أو النفـوذ الممنــوح لـه بحكـم وظيفتـه أو عملـه، ضـد طفـل أو باسـتخدامه، وذلك حسب الفصل 43  إن هــذه العقوبــات علــى أهميتهــا فــي ردع المُهاجريــن عــن اتخــاذ ســبيل الهجرة غير الشــرعية للهــروب مــن الأوضـاع الاجتماعيــة أو السياسـية أو الاقتصاديـة التــي تعيشـها دولهــم، لا تفـي بغـرض صـد المُهاجريــن وأبـرزت عــدم فاعليتهـا وعــدم قدرتهـا علــى مجابهـة هـذه الظاهــرة .

إن العقوبــات الجزائيــة التــي تعتمدهــا دول المنشــأ والسياســات الأمنيــة التــي تعتمدهــا انطلاقا من دول الاســتقبال لا يمكــن إلا أن تزيــد الوضــع تعقيــدًا والتجربة أثبتت ذلك،فالسجون التونسية، اليوم قد فاقت طاقة استيعابها كل الحدود وماتخفيه دهاليز السجون من مدارس لتعليم الإجرام المحترف واختلاط سجناء العود مع المبتدئين وسجناء الحق العام مع الجانحين وما إلى ذلك من آفات أخرى منها ما تفصح عنه الإدارة العامة للسجون والإصلاح ومنها ما يبقى خفيا عن الرأي العام.

 وقــد بيَّنــت الوضعيــة الراهنــة ضــرورة إنشــاء اســتراتيجيات دوليــة طويلــة المــدى لمكافحــة ظاهــرة الهجــرة من جهــة ووضــع الضمانات اللازمــة لحقــوق المُهاجريــن الذيــن يعتبــرون غالبًــا ضحيــة لوضــع اجتماعــي أو سياســي معيــن. فـي النهايــة يجـب أن نلاحــظ أن المنظمـات الدوليــة وعلــى الرغـم مــن محاولاتهــا العديــدة لإيجـاد السـبل الكفيلــة بتأطيـر الظاهـرة إلا أنهــا بقيـت غيـر قـادرة علــى تحديـد تعريـف جامــع وموحــد للهجــرة أو تحديــد إحصائيــات دقيقــة لعــدد المُهاجريــن ومعاييــر مضبوطــة لتحديــد مــدى نجاعــة الإجــراءات المُتخــذة مــن قبــل دول الاســتقبال فــي مواجهــة الهجــرة غيــر النّظامية وغيــاب السـبل الكفيلــة للحـد مــن هـذه الظاهــرة. إن مجابهـة الهجـرة غيــر النظاميـة وتحقيـق النجاعـة فـي التصـدي لآثارهـا يسـتوجب تعاونًـا مســتمرًا بيــن دول الاســتقبال التــي هــي فــي الغالب دول الشــمال، وبيــن دول الجنــوب المُصدرة للهجـرة، وهـذا التعـاون أساســه التصـدي بموضوعيــة، لتجـاوز الأسـباب والدوافـع المتصلــة بهذه الظاهــرة التي تحولت إلى جريمة، عابرة للقارات منها إلى النسيج المجتمعي، كأخطر تهديدأهمدوافــعه المشاكل الاقتصاديــة والأزمــات السياسية التي يعيشها اغلب بلدان العالم العربي اليوم.

By admin