الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

تونس-تونس-20-1-2021

وقّعت الدوحة والرياض مؤخرا في العلا بالسعودية اتفاقا تم بموجبه التأسيس لطي الخلافات بين البلدين التي دامت أكثر منذ ثلاثة أعوام.

وكانت الرياض وحلفاؤها الذين دعموا موقف مقاطعة الدوحة قد وضعوا مجموعة من الشروط لاستئناف العلاقات معها.

وعن المصالحة الخليجية ،وأبعادها وترتيباتها والتوقيت الذي أعلنت فيه، نظّم المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس ندوة عن بعد مع الباحث السياسي من المملكة العربية السعودية حمود أبو طالب.

واستهلت رئيس المركز الدكتورة بدرة قعلول اللقاء بشكر جهود المملكة العربية السعودية ، مشددة على أن من الأهمية بمكان أن تكون المصالحة عربية لا خليجية فقط في ظل تغيرات جيو سياسية ودولية خطيرة ومتسارعة .

تناول اللقاء دراسة الأوضاع بالمنطقة العربية والتحولات التي يشهدها العالم العربي من بينها المصالحة الخليجية بقيادة الرياض.

وتحدّثت قعلول عن تضرّر دول شمال إفريقيا بفعل تدخلات قطر، ما تسبب في عديد الكوارث .

وتحدثت عن سياسة المحاور التي أضرّت بالمنطقة ككل ، لافتة إلى استغلال المتربصين بالوطن العربي لهذه الفرص لفرض هيمنتهم وتموقعهم السياسي.


ولفتت إلى وجود ثلاثة قوى إقليمية، في إشارة إلى إيران و تركيا و “إسرائيل”، تسعى إلى الهيمنة على العالم العربي وبسط سيطرتها عليه مستغلة في ذلك تشتته على مختلف الأصعدة.

وإعتبرت الدكتورة بدرة قعلول أن ثلاثي الشرّ المتمثل في الدول سالفة الذكر غايتها بناء علاقات هيمنة لاعلاقات تعاون، خاصة مع وجود تصدّع في العالم العربي بعد ما سمّي بالثورات العربية .

وإتّهمت الباحثة التونسية قطر بدعم جماعة “الإخوان المسلمين” ماديا ولوجستيا ما سهّل تموضعهم في العالم العربي وأسهم في تعميق التشتت العربي ، ومزيد تعميق الأزمات السياسية والإجتماعية خاصة مع ظرف جائحة كورونا الذي زاد الأمور تعقيدا.

وأشارت قعلول،إلى السعي المتواصل من قبل أنقرة في محاولة لسحب البساط العربي تحت غطاء “الإسلام” لقيادة العالم السنّي وسحبه من المملكة العربية السعودية .

وأكّدت على ضرورة التعامل مع شعوبنا عن طريق رسم ايديولوجيا واضحة تجمع العالم العربي ، من خلال التنسيق والحفاظ على اللحمة العربية لأن القومية العربية ليست بمفهومها التقليدي، بل يجب أن تكون عن طريق بناء شراكات وتكامل عربي حتى لا يترك المجال مفتوحا لبعض الثغرات تستغلها القوى الإقليمية التي تريد فرض هيمنتها ورسم خارطة جديدة للعالم العربي .

وأشادت باستفاقة المملكة العربية السعودية لمواجهة التيار الإخواني الذي يدّعي أنه التيار الذي سيحمل مشعل السنّة، خاصة أن هذا التيار أراد الإطاحة بمصر العربية من أجل التحكم فيها ، مشيرة إلى ضرورة التصدّي لمختلف المؤامرات التي تُحاك في الغرف المظلمة ، متسائلة عن مدى جاهزية العالم العربي لمواجهة الإضطرابات المحتملة..


من جهته، أعرب الدكتور حمود أبو طالب المحلل السياسي والصحفي من المملكة العربية السعودية، عن ترحيبه بمثل هذه الندوات من تونس تمثل الدولة المدنية والتنويرية .

ولفت أبو طالب إلى أن أي طوفان سيضم الجميع دون استثناءات وسيهدد الأمن القومي للمنطقة ككل ، مضيفا أن الخطر هو خطر وجودي ولا يمكن الحديث عن فرق بين دولة خليجية ودولة مغاربية أو عربية ، معربا عن امتنانه لمثل هذه الندوات لممارسة العصف الذهني والتحليل ولاستشعار الأخطار والمشاكل المحتملة التي تمر بها بلدان الوطن العربي ، مؤكدا أنها بادرة جيدة للنهوض بالدور الوطني للجميع وهي فرصة لتكريس خطاب التحذير والتوعية من الأخطار المحدقة بالوطن العربي .

وفي ما يتعلق بالمصالحة الخليجية ، أكد المحلل السياسي أنها ليست هي التسمية الدقيقة لما حدث ، لوجود جمهورية مصر العربية واعتبارها الضلع الرابع في هذه المشكلة التي كانت قائمة بشكل خطير .

وعاد محدّثنا إلى أسباب حدوث المقاطعة ، والتي لم تكن بسبب قطر بل لتورّطها في معاداة القومية العربية حيث أصبحت خطرا يهدد الأمن العربي وأضحت ثغرة كبيرة لأطراف خارجية تمرّ عبرها لإحداث الدمار العربي لا الخليجي فقط .

وتحدّث حمود أبو طالب عن الدور الخطير الذي اضطلعت به قطر منذ 1996 وهو ثابت وموثق بعدما ارتضت لنفسها دورا مؤسفا بأن تكون هي المنطقة الرخوة التي تتسرب منها المؤامرات والمخططات التي تستهدف الأمن القومي العربي وتستهدف الدول العربية .

وتابع،: “منذ ذلك الوقت حدثت مناكفات وخلافات على النطاق الثنائي فقط. كانت قطر كرافعة للمخططات الأجنبية أو كجسر لعبور المخططات الأجنبية أو كذراع تمويلي واستراتيجي للمنظمات الارهابية” .

وأضاف: ” دولة مثل المملكة العربية السعودية ودولة مثل مصر لم تقدم على هذه الخطوة وهي المقاطعة ولم يتم الإعلان عن ذلك بشكل جازم إلا بعد ثبوت أن خطر قطر كان كبيرا ومهددا لكل الأمن الخليجي والعربي”.

كما لفت إلى أن قطر ارتضت لنفسها أن تحتضن نفوذ أكبر قوتين معاديتين للقومية العربية ، فقد أصبحت قطر شبه قاعدة عسكرية لتركيا، وعملت ضمن كل أشكال التواصل الدبلوماسي مع ايران، الدولة التي تعلن تهديدها العلني للدول العربية وللقومية العربية .

وأردف، قائلا” “قطر قد ثبت تمويلها للمخطّطات المعادية لأمن المنطقة تمويلا كبيرا ، كما احتضنت الكوادر التخطيطية والتنظيمية للمنظمات الإرهابية وقامت بتجنيسها ووضعها تحت الحماية القطرية ودعمها المتواصل لحركات التمرد والمتمردين داخل الدول المستهدفة، أي عند احتضان قطر للمارقين في هذه الدول وصل الاأمر إلى درجة لا تحتمل وكان يجب أن يقال لقطر كفى”.

وأفاد محدثنا بان قرار المقاطعة من الدول التي تمثل ثقلا سياسيا واقتصاديا وبشريا بالوطن العربي ، كان إعلانا واضحا بأنه من غير المسموح وجود طابور خامس بالعالم العربي أو أن يكون هناك عملاء لصالح جهات تسعى على ضرب القومية العربية.

وشدّد حمود أبو طالب على أن المملكة فوضت من قبل دول المقاطعة لإدارة الملف والتفاوض بشأنه مع الوسيط الكويتي والأمريكي .

وأعرب الباحث السعودي عن استيائه من خروج الدوحة من المنظومة، مشيرا إلى أن المجموعة الخليجية قد أجبرت على هذا القرار لعدم وجود خيار آخر غير المقاطعة، وقد راهنت قطر على عاطفية النظام السعودي لاعتيادها على سياسة الصفح وراهنت على هذه الورقة ، لكن كان رهانها خاطئا هذه المرّة لأن المملكة السعودية تحملت تجارب كثيرة من قطر حيث لم تف بوعودها ونقضتها وظنت أن بإمكانها المناورة.

وتابع قائلا: “رسالة المقاطعة لم تكن موجهة فقط لقطر بل للدول الإقليمية ولتركيا وإيران لإبلاغها بأنه لا توجد بوابة لهم عبر دولة عربية أو نظام عربي وكانت الرسالة واضحة”.

ونفى المتحدث ما روج حول حدوث المصالحة نتيجة ضغوطات من إحدى الجهات .

وأشار إلى وجود محاولات ومساع خصوصا من طرف الأشقاء الكويتيين منذ عام 2019 ودخول الولايات المتحدة الأمريكية لدعم هذه المساعي عام 2020.

وتحدّث حمود عن حصول الرباعي على ضمانات من قطر للمضي قدما في مسار المصالحة، مؤكدا على عزم الرباعي على عدم تقديم تنازلات في هذا الشأن، معربا عن أمله في استيعاب قطر الدرس واستشعار دورها في المنظومة العربية وأن تشارك في الحفاظ على الأمن القومي العربي وأن تدرك أن الخطر لن يستثني أحدا من المنطقة جمعاء.

كما أكد على حدوث المقاطعة في وقت مهم جدا، وعند الإنتهاء من هذا الملف وتحقيق المصالحة سينصب التركيز على ملفات أخرى على قدر من الأهمية إذا تم رفع كفّ إايران وتركيا من خلال المسار القطري ليتم غلق باب مقلق ومهم سيكون له التأثير الكبير على بعض الملفات المهمة الأخرى.

وذكر أن ايران تسللت إلى الملف اليمني والحركة الحوثية وكان لقطر الدور الكبير في ذلك .

ولفت إلى دخول أنقرة على خط “الإخوان” في اليمن عن طريق حزب الاصلاح بشكل غير مباشر وكان ذلك أيضا عن طريق قطر .

بدورها قدمت الباحثة في العلوم السياسية بالمركز،رباب حدادة، عرضا مختصرا بعنوان “تأثير المصالحة الخليجية على منطقة الشرق الأوسط”، موضحة أنه برغم عودة العلاقات الرسمية إلا أن نجاح بلدان الخليج في الإنخراط في استراتيجيا واحدة ليس بالأمر مضمون التحقق بما أن كل شق وجد لنفسه حلفاء جددا ورسم مخططات مختلفة في فترة الإنقطاع خاصة قطر التي طوّرت استراتيجيتها بعيدا عن التوجهات المشتركة لباقي الدول.

وتساءلت عن مدى التأثير الذي ستلعبه المصالحة الخليجية في سياسات دول الشرق الأوسط مستقبلا في ظل تغيرات و تحولات كبرى تعيشها المنطقة والعالم..


وأشارت حدادة، إلى دور واشنطن في المصالحة الخليجية بتحرك من الرئيس دونالد ترامب ومستشاره جيراد كوشنر قبل مغادرة البيت الأبيض بأيام، حيث من المنتظر أن المرحلة الموالية للمصالحة – حسب ما تتداوله وسائل إعلام أمريكية- هي موجة تطبيع دول الخليج مع “إسرائيل”.

وأضافت أن “إسرائيل” ستعمل من جهتها على تدعيم مصالحها مع الخليج الذي يشترك معها في خصم واحد وهو إيران خاصة في ظلّ التوسع الإيراني في العراق والذي يسعى إلى الإطاحة بنظام ألكاظمي.

ولفتت إلى أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وقطر قد يؤدي إلى دفع تركيا إلى اتّخاذ خطوة إلى الأمام أكثر علنية باتجاه “إسرائيل” نظرا لتوتر علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وتحدثت رباب حدادة عن المصالحة الخليجية وسياسة بايدن اللتين قد تدفعان تركيا إلى دعم علاقاتها كذلك مع روسيا .
وأردفت أن المصالحة الخليجية جاءت بعد سلسلة من الضغوطات على النظام الإيراني .

ورصدت المتحدثة، مجموعة من السيناريوهات المتوقعة على أثر المصالحة، حيث أفادت بأن هذه الأخيرة لن تحدث التغيير المنتظر إقليميا لتحافظ كل دولة على حلفائها المعهودين وتتابع سياساتها المرسومة قبل المصالحة.

أما السيناريو الثاني ، فهو نجاح المفاوضات في توحيد الصفوف الخليجية وتخلي قطر عن تركيا وإيران ما سيجعل السعودية وحلفاءها القوة الإقليمية الجديدة التي ستدعمها الولايات المتحدة الأمريكية في مقابل تشكيل حلف جديد تنحاز فيه تركيا كلّيا إلى الجانب الروسي- الإيراني.

وبخصوص السيناريو الثالث، تحدّثت الباحثة التونسية عن توصل المصالحة مع قطر إلي عقد تحالفات واسعة النطاق من خلال تقريب الخصوم الإقليميين مثل مصر والسعودية وتركيا، حيث تحاول قطر منذ انعقاد قمة مجلس التعاون لعب دور الوسيط الدبلوماسي .

من جهة أخرى تسعى كل من مصر والسعودية والإمارات إلى تولي قيادة المنطقة في الفترة القادمة وهذا قد يخلق تنافسا جديدا في العلاقات.

وختمت بالقول،”كل السيناريوهات محتملة في منطقة الشرق الأوسط التي تظلّ رمالها دائمة التحرّك”.بدوره، علّق حمود أبو طالب على محاضرة الزميلة حدادة بالإشارة إلى أنه ليس هناك مشكل في أن يكون لقطر علاقات مع إيران وتركيا لكن المهم أن لا تضر تلك العلاقات بالأمن القومي العربي.

بدورها، تساءلت الدكتورة قعلول، عن الضمانات التي قدمتها قطر للإلتزام ببنود قمة العلا؟

وردّ أبو طالب، قائلا: لا أعتقد أن تكون تلك الضمانات معلنة دائما، خاصة في الإتفاقات السياسية، فهناك ما يحصل إعلامه وهناك ما يبقى ضمن الخصوصية .

وأشار حمود أبو طالب إلى تعاون قطر مع “الإخوان” والذي أصبح ضعيفا في هذه الفترة، حيث غادر عشرات الكوادر الإخوانية الدوحة وهناك شبه تجميد لأغلب أنشطتهم .

ومن جانب آخر، تحدث أبو طالب عن دور الأمم المتحدة في تعقيد الأوضاع في اليمن، مشيرا إلى ضعف الجهود فيما يخصّ الكارثة المحتملة التي يُنذر بحصولها خزان صافر، معبرا عن عدم ارتياحه لدور الأمم المتحدة في التعاطي مع الملف اليمني عموما.

كما عبر عن استنكاره لموقف منظمة الأمم المتحدة إزاء تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية،مشيرا إلى أن من شأن ذلك أن يؤثر سلبا على المنظمات الإنسانية ، متابعا أن سياسات تعامل الأمم المتحدة لن تساهم إلا في تعميق الأزمة اليمنية إذا ما ظلت على نفس الوتيرة .

و في سياق متصل ، أشار الدكتور إلى زيارة المبعوث الأممي الأول إلى صعدة معقل عبد الملك الحوثي ، والتي سبقت مباشرة الهجوم الذي قامت به الجماعة الحوثية على كل محافظات اليمن ، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول خلفيات الدور الذي تقوم به الأمم المتحدة في اليمن .

في نفس الإطار ،أشارت الدكتورة قعلول إلى أن فيه الأمم المتحدة تكيل بمكيالين ويمارس عدد كبير من أعضائها سياسة التضليل.

من جانبه،قال الصحفي بالقناة السعودية محمد المحيا : إن الأمم المتحدة هي التي تدير الصراعات و لا تحل النزاعات ” .
وفي سياق أخر، تطرّقت الجلسة إلى مصير مجلس التعاون الخليجي في حالة عدم التزام قطر بوعودها، وكانت إجابة الدكتور حمود أن قطر ليس أمامها إلا خيار الإلتزام لأنها في وضعية صعبة للغاية وإن لم يكن ذلك فإنها على حسب قوله ستكون في قطيعة أبدية وربما خارج المنظومة الخليجية والعربية خاصة أن علاقاتها العربية متوترة .

و متابعةً لمسألة المصالحة الخليجية ، تناولت الجلسة أيضا التأثيرات التي يمكن ان تمارسها على الأزمتين الليبية والسورية ، حيث استنكر الدكتور دور الولايات المتحدة في استغلال التصدعات التي يعيشها العرب وأنها لا تسمح بالوصول إلى تحقيق مشاريعهم وطموحاتهم .

وشدد في هذا السياق على ضرورة إدراك العرب للتحديات الخطيرة التي تواجههم ولا مجال أمامهم لحياة كريمة ومستقلة وآمنة سوى خلق الظروف الملائمة لتوحيد جهودهم من أجل التكامل والإندماج وإقامة وحدتهم القومية في كيان قوي يملك القدرة على البقاء وصنع المستقبل المنيع.

واستنكرت الدكتورة قعلول الإتهامات الموجهة ضد الإمارات والسعودية ومصر ، مؤكدةً أن الحرب الليبية ليست مجرد حرب بين محور ” الإمارات ، السعودية ، مصر ” و المحور ” التركي القطري ” ، بل الأزمة أكبر بكثير .
وأشارت إلى مختلف الأطراف التي ساهمت في إحداث الفوضى في ليبيا كالولايات المتحدة الأمريكية بتوظيف وكيليْها التركي القطري، إلى جانب ستيفاني ويليامز رئيسة بعثة الأمم المتحدة بالإنابة في ليبيا والتي ساهمت بشكل كبير في تشتيت الأوضاع .

وأوضحت مدى تشعب الملف الليبي، متمنية السلام للجميع في أنحاء العالم، إلا انها قالت إن التاريخ سيذكر من كان سببا في دمغجة شبابنا وتشويه إسلامنا ولن أتسامح مع من خرب وطني..

وأخيرا وحول الدور العربي لحل المشكلات العربية،أعرب الدكتور حمود عن أمله الكبير في حدوث اتفاقات عربية متماسكة لإنهاء الملفات العربية الساخنة، مؤكدا أنه إذا اتحدت الجهود العربية داخليا وتجاوزت ضعفها فلن تستطيع أي قوة خارجية فرض إرادتها.

By Zouhour Mechergui

Journaliste