كلمة الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية و العسكرية
السيد وزير الداخلية أصحاب السعادة السفراء السيدات و السادة يتشرف اليوم المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الامنية و العسكرية بحضوركم و المشاركة في فعاليات الملتقى الاقليمي تحت عنوان “تداعيات نشر التنظيمات الارهابية في شمال إفريقيا و جنوب المتوسط”. نلتقي اليوم و سنة 2015 تلملم ما تبقى من ايام سنة 2015، سنة دموية على تونس و التونسيين الذين فقدوا العشرات من الأمنيين و العسكريين البواسل و نحسبهم شهداء لأجل هذه الأرض الطيّبة و قبل المرور الى الكلمة ندعوكم لدقيقة صمت ترحما على التونسيين و الاجانب الذين قتلوا في عمليات ارهابية.
نقصد من هذه الندوة تمهيد الأرضية لإقامة تحالفات بين دول شمال افريقيا للوقوف امام التحديات الامنية الحالية و المستقبلية و اقامة علاقات متميّزة بين دول الجوار الاقليمي في شمال افريقيا و جعلها نموذج يتم البناء عليه بتحقيق وحدة عربية حقيقية. و ان هذا الموضوع نعتبره هام في هذه الفترة الحرجة التي تعشها شعوبنا، إذ أصبح الوضع في منطقة شمال افريقيا و جنوب المتوسط مثيرا للجدل و القلق فعدم الاستقرار من السمات المعرِّفة في جميع أنحاء المنطقة، حيث يؤثر على كل شيء بدءاً من الأمن وانتهاء بالأوضاع الاقتصادية الاجتماعية وحقوق الإنسان. وفي الوقت الذي يرى فيه العديد من المفكرين و المهتمين بان الاوضاع تزداد خطورة و لا يوجد تفعيل ميداني للتحالف بين بلدان الاقليم و لا توجد مواقف رسمية واضحة و في بعض الاحيان تصل الى توتر علاقات معلن و غير معلن، تعمل التنظيمات الإرهابية في المنطقة والعائدون إلى أوطانهم من ليبيا وسوريا على إشعال نار التطرف العنيف. ولكي تتم السيطرة على تلك النيران، تحتاج
المنطقة إلى الانضمام إلى الشركاء الدوليين والإقليميين لوضع استراتيجية إقليمية شاملة وتطبيقها.
الواقع الميداني الهش في المنطقة
لا يختلف اثنان على الأهمية الحيوية لمنطقة شمال إفريقيا و جنوب المتوسط من حيث الموقع الجيواستراتيجي و الثروات البترولية و الغازية و الموارد البشرية لهذا نجد هذا الاهتمام المتزايد للقوى العالمية بالمنطقة و ذلك لارتباط المصالح و خاصة اوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية و كذلك روسيا و الصين، اذ يمثل التقلب السائد في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل تهديدات كبيرة على المصالح الفرنسية والأوروبية الحيوية و كذلك على المصالح الأمريكية، وسوف يؤدي الموقع الجغراستراتيجي للمنطقة إلى ربطها بشكل متزايد بالمصالح العالمية الأوسع نطاقاً.
ويأتي الاستقرار على رأس تلك المصالح طويلة الأجل على الصعيدين الوطني والإقليمي على حد سواء. ولهذه الأسباب وغيرها، تمثل المنطقة مصدر قلق متنامٍ بالنسبة لشعوبها و شعوب المنطقة و القوى الدولية.
وعلى مدار الفترة الماضية و الى الان لم تتحقق إلى حد بعيد الآمال بأن تُفضي انتفاضات “الربيع العربي” إلى ديمقراطية يافعة مستقرة بل ازدادت سوءا و بدرجات متفاوتة في كل بلد. فاكثر الصور الموجودة في واقع هذه البلدان هي الهشاشة والشقاق، التى جعلت المساحات غير الخاضعة للحكم تنتشر انتشار النار في الهشيم في دول ما بعد الحقبة الشمولية. وفي غياب سياسة العصا الغليظة لوأد الشقاق أو فرض سيادة القانون وتوزيع الموارد، توفر تلك المساحات أرض خصبة لردة فعل من قبل المتطرفين و الارهابيين و المافيا العالمية.
وللأسف، يتلقى المتطرفون الذين يستخدمون العنف تدريبات قيِّمة وخبرات قتالية في ليبيا وسوريا، كذلك يجدون الدعم الكبير من قوى فاعلة عالميا بان يشتروا منهم البيترول و يزودونهم بالأسلحة و المعدات و الذخيرة… فهذا الدعم جعلهم يتمددون من حيث الاعداد و الاماكن فلقد اصبح لهم انصار و متعاطفين و مباييعين و خليا مترصدة في كامل انحاء العالم و في شمال افريقيا و المتوسط خاصة في جنوبه.
ومع التسوية في سوريا و انتقال حلبة الصراع و ظهور تحالفات جديدة و اختلاط الاوراق وخاصة العائد من بعيد الذي لم يقرأ له حساب “روسيا و ايران و سوريا” اصبحنا نرى مشهدا متسارع الحلقات و تسويات و عمل استراتيجي كبير في منطقتنا شمال افريقيا اين يجب ان تحدد المواقف و التحالفات. فعودة هؤلاء الجهاديين الذين زادت المعارك من تشددهم إلى أوطانهم، سوف يجدون شرائحً محرومة ومستاءة على نحو متزايد تكون أكثر عرضة للأيديولوجية و الدمغجة المتطرفة، مما يمهد الساحة لصحوة المتطرفين و الى الفتنة في كامل المنطقة وهو أمر ينذر بعواقب وخيمة طويلة الأجل.
تواجه معظم دول شمال أفريقيا ومنطقة الساحل حالياً أزمات بدرجات متفاوتة. فالوضع الذي يغذيه تطرف الراديكاليين، وسوء الإدارة، والاضطرابات السياسية و الاجتماعية، يشير إلى اضطرابات جيوسياسية عميقة لن تؤدي سوى إلى تشجيع المتطرفين الذين يستخدمون العنف.
تونس التوتر السياسي و التأزم الاقتصادي و الاجتماعي
الجزائر حالة تأهب و ترصد و شبح العشرية السوداء لا يزال يخيم على العقول
المغرب وعدم الحسم في مسألة الصحراء الغربية حالة الاتفاق المفقود
ليبيا و حالة اللاّدولة
مصر بين الانقاد و الاصلاح و التحالفات الاقليمية
لماذا هناك أهمية في التحالفات الاقليمية : تونس -مصر-الجزائر-ليبيا-المغرب
رهانات التحالف الاقليمي و التحديات التي ستواجهها
و من منطلق هذا الواقع المتردي و الخطير جدا و الذي يمكن ان ينفجر في اية لحظة يجب اليوم تحديد المواقف و التحالفات داخل المنطقة و العمل على تفعيلها. فاذا لم يطرح و لم يفعّل التعاون الاقليمي فان التحالفات الدولية و القوى العظمى سوف تفرض على المنطقة مصالحها و املائاتها و برامجها فكل تشتت اقليمي قد افرز الفوضى الهدامة و برامج الفوضى من اجل صراعات جوفاء و تشتت لصالح اعداء الامة و للاستغلال الامبريالى و الابتعاد عن القضايا الام لبلدان المنطقة كالإصلاح و التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و استغلال ثرواتنا للتقدّم بل اصبحت المنطقة اكثر هشاشة و تباعية و تفتت و انقسام وتخضع الى اجندات تعمل لإنقاذ الازمة الاقتصادية لأوربا و امريكا و تسليح اسرائيل و سيطرتها على المنطقة.
بل لم تعد لنا برامج نطرحها و لم نستفد من قوتنا الجغرافية و لا الموارد الطاقة و لا الموارد البشرية و غرقنا في مشكل مفتعل اسمه العصابات و المجموعات الارهابية التى يغذيها التباعد و الصراعات و التشتت. فالاستثمار في مجالات الاصلاح الاقتصادي و الاجتماعي يعتبر متوقف ما لم تعالج القضايا المتعلقة بالامن و الاستقرار. وربما الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هناك عدد كبير من المتطرفين من شمال أفريقيا الذين يقاتلون الآن و الذين قاتلوا سابقاً في الصراع السوري ،وفي ظل عودة الكثير منهم إلى ديارهم وتمتعهم بالمزيد من الخبرة والمصداقية المزعومة والالتزام، فقد يوجهون اهتمامهم و عمالياتهم الارهابية إلى الحكومات الإقليمية، – وهذه احتمالية مقلقة في الوقت الذي لم تتمكن أي دولة في المنطقة من إحكام سيطرتها الكاملة على حدودها أو على الجماعات المتطرفة النشطة داخلها وفيما بينها.